كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
تزامناً مع الأنفاس الأخيرة التي يلفظها الإقتصاد اللبناني العائم على “أكتاف” الشعب المهاجر جرّاء التحويلات المرسلة بالعملة الصعبة، ما سيزيد النمو كما توقّعت وكالة “فيتش”، حسمت الدولة أمرها فتمخّضت قرار زيادة الدولار الجمركي بداية الشهر المقبل الى 15 ألف ليرة، على أن ترفع سعرالصرف الرسمي الى 15 ألف ليرة في شهر شباط.
بدء العمل بالدولار الجمركي الجديد خلال 7 أيام، أعلن عنه وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل الذي قال أمس انه سيدخل حيّز التنفيذ في بداية شهر كانون الأول المقبل وفق سعر 15 ألف ليرة ارتفاعاً من 1500 ليرة اي بزيادة 10 أضعاف.
ووجّه للغاية كتاباً كما قال إلى “مصرف لبنان، يتعلق بالبدء باحتساب أسعار العملات الأجنبية على الضرائب والرسوم التي تستوفيها إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة، على أساس 15 ألف ليرة للدولار الأميركي الواحد”. مشيراً الى أن “هذا التدبير سيساعد في الحدّ من استغلال فروقات الأسعار وكذلك تخفيف التشوّهات والخسائر التي تتكبّدها الخزينة”.
وبذلك يكون بدء العمل بالدولار الجمركي سَبق رفع سعر الصرف الرسمي للعملة الوطنية الى 15 ألف ليرة وذلك بهدف توفير واردات رواتب القطاع العام التي ارتفعت 3 أضعاف وفقاً للموازنة.
لكن كيف سينعكس ذلك على اسعار السلع؟
لا تزال الرؤية غير واضحة بشكل كامل حول نسب الإرتفاع التي ستطرأ على السلع المستوردة. ولكن من المعلوم أن السلع الغذائية والمواد الأولية المستوردة لغايات التصنيع ستكون معفية من الرسوم الجمركية، إلا أن هناك لوائح يتمّ درسها من قبل لجان فرعية تتألف من وزارات الصناعة والمال والزراعة والإقتصاد، لتحديد السلع والبضائع التي يُفرض عليها رسم جمركي بنسبة 10% لفترة 5 سنوات والتي يتمّ استيرادها ويصنّع مثيل لها في لبنان وعلى السلع المصنّفة فاخرة، وتلك اللّوائح لا تزال قيد الدرس وقد تتطلب عملية إنجازها بعض الوقت.
ويعتبر خبراء مطّلعون أن نسب الزيادة على الأسعار بعد ارتفاع سعر الدولار الجمركي من 1500 ليرة الى 15 ألف ليرة، ستتراوح بين 5% و25% (للسلع التي تعتبر من الكماليات).
وفي السياق، أوضح البروفسور والباحث في الشؤون الماليّة والاقتصاديّة مارون خاطر لـ”نداء الوطن” أن “رفع الدولار الجمركي تدبير سيئ في توقيته وتطبيقه وتداعياته وسيؤدي الى ازدهار التهريب عبر كل المنافذ والى التهرّب عبر جميع الوسائل وتوسيع رقعة الاسواق الموازية وتخزين البضائع. وسيسمح غياب الثقة بالدولة وغيابها عن حماية مصالح مواطنيها للجشعين والمستفيدين بأن يجنوا ثروات طائلة على حساب أصحاب الحق”.
وأشار الى أن “الرواتب المضاعفة” ستتآكل حتى قبل أن تُدفع كاملة وذلك كون الجشع والتضخم والضرائب والتفلت في المرصاد، ولا يمكن أن يُشكل رفع سعر الدولار الجمركي حلًا أو نواة حلّ ما لم تستقرّ السياسة ليستقر الاقتصاد وتُضبط الحدود وتستقيم العدالة وتمتلئ السجون بالفاسدين ويحكم المُنتجون المستقيمون. حتى ذلك اليوم وتلك الساعة… “الطّبع” طبعاً”.
في سياق متَّصل، إعتبر خاطر أن “الطرق التي يعتمدها اصحاب القرار كحلول لتوفير الواردات هي دوماً ملتوية، فهم يُعاكسون المَنطِق والعِلم في آن معاً”، موضحاً أن “موازنة 2022 ليست سوى مثال حي على هذا التخبط. فبعد دخولها حيِّز التنفيذ منذ منتصف الشهر الحالي، ينكَبُّ أهل الحكم على تأمين الإيرادات لتمويل لزيادة رواتب القطاع العام المُتخَم وغير المنتِج بأغلبيَّته بعد أن تكون قد بدأت بصرفها”.
وعن كيفية توفير مصادر التمويل قال خاطر، إن “مصادر التمويل، ليست تدفقات نقديَّة ناتجة عن إعادة تحريك قطاعات الإنتاج، بل زيادة على الضرائب والرسوم عبر احتساب سعر صرف رسمي جديد للرسوم والضرائب التي ستستوفيها إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة وهذا ليس إلا أوَّل الغيث”.
ومن الناحية النظريَّة شدد خاطر على أنَّ أي زيادة على الضرائب والرسوم لا تجدي نفعاً وتبقى “دفتريّة” حينما يُسجّل الاقتصاد نمواً سلبياً، وهذا أمر مُثبت علمياً”.أمّا عملياً، فتوقَّع أن يُؤدي البدء بتطبيق سعر الصرف الرسمي الجديد الى مزيد من الضبابيَّة والإلتباس وذلك لأسباب عدَّة:
أولًا، لا ترتكز الموازنة على دراسة ميزان المدفوعات ولا تلتفت الى حساب الاخطاء والإغفالات الذي يبيَّن حجم التهريب والتهرّب إنطلاقاً من حركة الأموال عبر المصارف.
ثانياً، لم يستند الدولار الجمركي الجديد الى دراسة معمَّقة لحجم الجباية الجمركيّة وفعاليَّتها.
ثالثاً، وحتى لحظة صدور قرار وزير المال، لم تَصدر جداول السلع المعفاة من الزيادة عن وزارتي الصناعة والزراعة وقد لا تَصدر هذه الجداول قبل مطلع كانون الأول.
رابعاً، في ظل غياب الرقابة والمُعطيات العلميَّة سيدخل سعر الصرف الرسمي الجديد حيِّز التنفيذ بعد أن تكون أسعار السلع قد إرتفعت وهي الآن تسجل إرتفاعات عشوائية لا يمكن ضبطها أو حتى مقارنتها.