كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
الأرجح، أنّ عدّاد الجلسات الانتخابية التي تعقدها الهيئة العامة لمجلس النواب لاختيار رئيس جديد للجمهورية، سيسجّل الكثير من الأرقام قبل أن يُصار إلى الاتفاق على خلف للرئيس السابق ميشال عون. لا مؤشرات جديّة من شأنها أن توحي ولو تلميحاً إلى امكانية انجاز الاستحقاق في وقت قريب، أو أقله في المدى المنظور. إلى الآن، يبدو الأفق مسدوداً. وما جلسات يوم الخميس، إلّا مشاهد مملة لمسلسل سمج يدرك لاعبوه أنّ جلّ ما يفعلونه هو تذاكٍ، لا يهدف إلّا إلى تقطيع الوقت.
لا تتصرّف أيّ من القوى السياسية، على أنّ الرئاسة في المتناول. الاصطفاف العميق الحاصل، والذي يشكّل امتداداً للخلاف الاقليمي، يجعل من الشغور ضيفاً ثقيلاً في قصر بعبدا، ويصعب تحديد موعد خروجه. أقله إلى الآن… رغم المحاولات الخجولة التي تقودها الإدارة الفرنسية التي يقول المطلعون على سياستها، أنّها تسعى جاهدة إلى تقصير عمر الشغور وانجاز الاستحقاق في أسرع ووقت ممكن، لكنها في المقابل لم تصِغ مبادرة متكاملة أو شاملة من شأنها أن تضع الرئاسة أمام خارطة طريق ناجحة.
ولهذا، يبدو الحراك الداخلي بمثابة لعب في الوقت الضائع. «القوات» و»الاشتراكي» وبعض المستقلين متمسكون بخيار النائب ميشال معوض وهم الأكثر دراية وقناعة أنّ ترشيحه لن يصمد حتى الأمتار الأخيرة. ولكنّ هذا المحور، لا يملك تصوّراً عن طبيعة خطوته المقبلة. ماذا بعد ميشال معوض؟ لا أحد منهم يملك جواباً. وهم المتيقّنون أنّ مشوار النائب الزغرتاوي لن يطول لأنّ ثمة استحالة في انتخابه رئيساً في ضوء الرفض الذي يلاقيه، أقلّه من ثلاث كتل نيابية كبيرة مؤثّرة. فماذا سيكون الجواب حين سيُسألون عن مرشح قادر على تأمين التفاهم من حوله؟
ولعل هذه الضبابية هي التي تجعل من رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في حال ارباك وتخبّط ولو أنّه لم يتراجع عن تأييد معوض. لكنّه في المقابل، خطّه مفتوح مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لأنّه مدرك أنّ الرئاسة لن تتحقق إلّا اذا تلاقت كلّ المكونات السياسية والطائفية حوله، أو أبرزها، وبالتالي سيكون موهوماً من يعتقد أنّ بامكانه انجاز الاستحقاق من دون الثنائي الشيعي. ولكن بالتوازي، لا يبدو أنّ بري وجنبلاط مستعجلان للالتقاء عند خطّ وسطي، ومرشّح وسطيّ. ولا حتى عند رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. لم يحن بعد زمن التفاهمات. أكثر من ذلك، ثمة من يعتقد أنّ مهمة جنبلاط لن تكون سهلة في حال أراد أن يقفز إلى تسوية فرنجية رئيساً للجمهورية في حال استسلم رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل لهذا الاتفاق وقرر أن يكون شريكاً مع العهد المقبل.
وفق هؤلاء، فإنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يواجه تحدياً صعباً في إقناع نجله، تيمور جنبلاط الذي لا يبدو متحمّساً لخيار فرنجية، ربطاً برغبته في الخروج من التركيبة التقليدية، والتي حاول ضاغطاً التخفيف من أثقالها خلال الانتخابات النيابية الاخيرة، ولم يوفّق كثيراً. ومع ذلك وحده الوقت كفيل بحسم تلك الالتباسات.
في المقلب الآخر، تسود حالة الانتظارات. «حزب الله» يتّكل على الوقت لمعالجة اشكالاته الداخلية. يعرف أنّ لا أحد سيقنع باسيل، إلّا باسيل، بعد أن تٌسدّ كلّ المنافذ بوجهه. حينها قد يفتح يديه للتسوية. مع الوقت أيضاً، إمّا يصير ترشيح فرنجية قابلاً للتحقيق اذا استسلم الآخرون، وإمّا يقرر الأخير التنحّي.
الوقت عينه، يبدو أيضاً العامل الأساس المتحكم بالرئاسة على المستوى الخارجي. يقول المواكبون إنّ حراك الفرنسيين لم يأت من عبث. الأرجح أنّ هؤلاء مقتنعون أنّ الانتخابات الأميركية النصفية تركت فسحة لإمكانية حصول تفاهمات اقليمية انطلاقاً من حاجة الإدارة الأميركية لتحقيق الانجازات، وفي طليعتها خفض أسعار النفط. ولذا لا بدّ من تقاطعات قد تعيد لبنان إلى صلبها. ولهذا أعادوا تشغيل محرّكات اتصالاتهم.
وبذلك، يراهن اللاعبون على الوقت. إما مزيد من الانهيار والتحلل قد يدفع بـ»حزب الله» خطوة للأمام لابرام اتفاق يأتي برئيس ضمن سلّة تفاهمات رئاسية – حكومية – اصلاحية تكون السعودية شريكة في الاتفاق الشامل خصوصاً وأنّ المطلعين يجزمون أنّ النَفَس الغربي عاد ليضع بند الإصلاحات شرطاً أساسياً في أي اتفاق… وإمّا قد يدفع الدول الغربية إلى تسريع الاتفاق خشية من انزلاق الوضع الداخلي إلى فوضى غير مضبوطة، لتكون اولى تلك الخطوات – المحرّمة، خلو سدّة حاكمية مصرف لبنان وسط ممانعة غربية لجلوس نائبه الأول، الشيعي على كرسي الحاكم. وبذلك قد تكون الدول الغربية هي المبادرة للتقدّم خطوة للأمام تجاه «حزب الله»، ليكون بند انتخاب فرنجية اول خارطة الطريق. باختصار، هي لعبة عضّ الأصابع التقليدية، التي يصعب التكهّن بمشهد نهايتها.