كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لا يعوِّل المعلّم علي صباح كثيراً على التغذية الرسمية لمؤسسة كهرباء لبنان، أو ما يعرف بـ»كهرباء الدولة». ما زال يعتمد نظام الكيّ على الفحم، لم يتأثر كثيراً بأزمة انقطاع التيار الكهربائي، أسعفه مكواه القديم الذي يعود إلى خمسينات القرن الماضي على مواصلة عمله في مهنة الخياطة والكيّ، على عكس زملائه الذين اعتمدوا نظام الاشتراك لتخفيض الفاتورة.
في حيّ السراي القديم، أحد أقدم أحياء مدينة النبطية التراثية، يقع محل المكوجي علي صباح، يواصل فيه عمله بمهنته العتيقة، يستخدم ماكينة «بودعسة» القديمة في إصلاح الملابس المتكدّسة أمامه، فالخياطة نشطت كثيراً بفعل الأزمة، وزاد الطلب على التصليح. اللافت في محلّه أنّ كلّ شيء قديم، من الماكينة الى المكوى الحديدي الى باقي العدّة.
عند زاوية المحل يضع العمّ علي عدّة كيّ الملابس، وبقربها يضع مكواه الأثري، رغم وجود مكوى ثانٍ كهربائي، غير أنه يعتمد مكوى الفحم للتوفير.
لم يتخلّ عن عدّته القديمة يوماً ولم يطوّرها، وكأنّه أيقن باكراً أنّ زمن الكيّ على الفحم سيعود، «وبالفعل وصلنا إلى زمن الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي فيما الاعتماد على المولّدات التجارية مكلف جداً، فكثر لجأوا الى محلي لكيّ ملابسهم، لأن كلفتها أرخص»، على ما يقول علي.
لساعات يعمل في محله المتواضع، يمسك بمكواه الحديدي، يضع الفحم داخله ويمضي في كيّها، ما زال هذا المكوى صامداً في محله منذ الثمانينات حين بدأ العمل في هذه المهنة، ومنذ ذلك الحين ويعتمد عليه، لم يرمِ به كما فعل غيره، ولم يحوّله قطعة تراثية، أبقى عليه في الخدمة، ليقينه أنّ التراث لا يموت.
لم يتقاعد العمّ علي من عمله يوماً، ولم تتعب قدماه من ماكينته «بودعسة»، على العكس، يواصل درز الملابس الممزّقة وإصلاح كلّ ما يحضر إلى محله. يواظب على خياطة البزّات الرجالية، معظم زبائنه من الرعيل القديم الذين يهوون ارتداء «البدلة»، فهو الوحيد في مدينة النبطية الذي يمارس مهنة الخياط الى جانب التصليح، والوحيد أيضاً الذي يحافظ على عدّته التي تحتاج الكثير من الدقّة والتركيز، و»الخطأ فيها ممنوع» كما يقول، فـ»درزة غلط بتخلّيك ترجع لنقطة الصفر».
لم يتأثر كثيراً بالأزمة، على العكس كانت فأل خير عليه، ضخّت الروح في مهنته التراثية، التي يمضي فيها رغم أنّ أحداً من جيل اليوم لم يتعلّمها لأنّها متعبة وتحتاج دقّة وصبراً. قد يكون الوحيد الذي يستعين بعدّة قديمة، وربما يكون الوحيد أيضاً الذي عاند فواتير الكهرباء القاسية، «فأنا أخيط الملابس وأكويها والطلب كبير عليّ، والناس يقصدونني لأنجز لهم ملابسهم، أضف إلى أنّ الخياطة والترقيع باتا باهظي الثمن ولحقا بالدولار»، غير أنّ تسعيرة العمّ علي ما زالت شعبية.