كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
«التيار الوطني الحر» مقبل على ورشة عمل تنظيمية، يعيد من خلالها إحياء نفسه بعد خروجه من السلطة، واعداً بأن تكون السنة المقبلة «سنة التيّار بامتياز». فيجري مع نهاية الشهر الجاري إنتخابات داخلية لاختيار ممثلي أقضية وقطاعات، يليها بعد أسبوعين انتخاب أعضاء المجلس السياسي ومجلس التحكيم واللجنة الرقابية. هي استحقاقات دورية، لكن مواعيدها تغيّرت استثنائياً ربطاً بانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. أمّا على الصعيد التأديبي، فيكشف «التيار» عن دراسة ملفات ما يقارب 62 منتسباً إليه لاتخاذ اجراءات بحقهم، منذ الانتخابات النيابية إلى اليوم.
بعدما أحيا «التيار الوطني الحرّ» مناسبة 13 تشرين، وواكب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون الرئاسية، يتحضّر لورشة داخلية تنظيمية وسياسية، تعيده من خانة «الحزب الحاكم»، إلى خانة التيار السياسي، الذي يرأسه طامح إلى الرئاسة، ورئيس لتكتلّ نيابي مسيحي واسع، له كلمته الفصل في الإنتخابات الرئاسية.
أولى مهمات هذه الورشة إعادة الاعتبار إلى النظام الداخلي والجداول الزمنية التي يفرضها على صعيد الإنتخابات الداخلية بأوجهها المختلفة، والتعيينات. سبق ذلك، حملة «تطهير» وطرد محازبين فُسّرت وكأنها رغبة من رئيس «التيار» جبران باسيل بتحضير الأرضية من حوله لخوض معركته الجديدة، وإزاحة كلّ من يتعارض معه بالموقف.
محاسبة المخالفين
إلا أنّ نائبة رئيس «التيار الوطني الحر» مارتين كتيلي تنفي هذا الاستنتاج موضحة أنّ «التيار» أجرى، بعد الإنتخابات النيابية، تقييماً لوضعه «وشرع في محاسبة من أساء ولم يلتزم بتوجيهات «التيار»، بدرجات مختلفة كلّ بحسب ما ارتكبه»، مؤكدة أنّ من يقوم بهذه المحاسبة «مجلس التحكيم، فيما يقع في إختصاص مجلس الحكماء محاسبة النواب والوزراء والرئيس ونوابه».
وترفض الحديث عن وجود تشفّ أو محاسبة انتقامية لأسباب سياسية، «الإجراءات جاءت محض قانونية وتلتزم نصوص النظام الداخلي. طلبنا من هيئات الأقضية رفع تقارير، وتمّ التأكد من المعلومات الواردة فيها تجنّباً لأي محاولة تشفّ، ثم صدر قرار عن مجلس التحكيم بحق المخالفين ولهم حق الإستئناف. وبناء عليه تم فصل زياد أسود وماريو عون وآخرين، فيما وُجّهت رسائل تنبيه للآخرين، لكن لم يضجّ بها الإعلام لأنهم غير معروفين».
وفي حين تكشف عن إجراءات ستتخذ بحق ما يقارب 62 شخصاً، تتراوح بين الطرد والتأنيب والتنبيه، معتبرة أنّه «رقم طبيعي مقارنة مع الإجراءات التي اتخذت عقب الإنتخابات الماضية حيث تم شطب 1600 منتسب»، تتحدث عن مسار يستلزم وقتاً ما يؤخّر بعض المحاسبات، لغاية اليوم «هناك ملفات لا تزال قيد الدرس في لجنة الموارد البشرية قبل تحويلها إلى لجنة التحكيم لاتخاذ القرار بشأنها». وتوضح أنّ الانتخابات الداخلية القريبة «تجبرنا على تسريع وتيرة العمل كي لا تبقى أسماء من يفترض اتخاذ إجراءات بحقهم على لوائح الشطب فينتخبون أو يترشحون».
ترفض اعتبار الإجراءات المتّخذه بمثابة حملة تطهير تصب في مصلحة باسيل وتعتبر أنّ مثل هذا التوصيف «مبالغة غير واقعية» وتتابع «من ينتخب هم 32 الف شخص ومن السذاجة القول إنّ رئيس التيار يستطيع التأثير عليهم فردياً. ثمة أناس يعتب عليهم التيار وآخرون لفظهم من جسمه بسبب الأداء وهؤلاء يبقى مدى تأثيرهم محدوداً. سبق وتحدثوا عن انشقاق في التيار وهذا غير صحيح، منذ اللواء ابو جمرة لا أحد يؤثر بخروجه لأن التيار أكبر من الكل. التيار ينظف نفسه عقب كل استحقاق ووفق آلياته الداخلية. وطبيعي أن نكون أمام نسبة خروج مقبولة كي لا نكون حزباً يستوعب اللي بيسوى واللي ما بيسوى».
الإنتخابات الداخلية
يلتزم التيار بمواعيد إستحقاقاته التي ينصّ عليها النظام الداخلي، ولكن استثنائياً هذا العام حصل تأخير في إجراء الانتخابات، بسبب الإنشغال في التحضير لمواكبة انتهاء ولاية «الأب المؤسّس»، رئيس الجمهورية ميشال عون، وقبله الإحتفال بذكرى 13 تشرين. وبات من المنتظر أن تجرى قريباً الانتخابات الداخلية لإختيار ممثلي الأقضية في المجلس الوطني، وفي الإنتشار، وقطاع الشباب والمرأة، وبعدها مباشرة ينتخب المجلس الوطني أعضاء المجلس السياسي ومجلس التحكيم واللجنة الرقابية. أما انتخابات الرئاسة فموعدها في أيلول العام المقبل حيث يتمّ الرئيس الحالي جبران باسيل ولايته الثانية. ويرافق كلّ ولاية رئاسية مجموعة تعيينات في اللجان والهيئات ذات الطابع التنفيذي، وأعضاء المجلس السياسي الستة المنتخبين، وأعضاء لجنة الرقابة المالية وأعضاء مجلس التحكيم.
وتتوقع كتيلي أنّ «السنة المقبلة ستكون سنة التيار بامتياز»، متحدّثة عن «نفضة شاملة سيشهدها التيار على مراحل لا علاقة لها بانتهاء ولاية العهد الرئاسية».
تناقضات النظام السياسي
على صعيد نظام المجلس السياسي، تشير كتيلي إلى قيام التيار بتعديلات «لتفعيل دور المنتخَب والمعيَّن في المجلس السياسي، كما صار لزاماً على أي عضو أن يتابع ملفاً خاصاً، سياسياً أو إنمائياً أو إجتماعياً، وهذا يشجّع على تقدّم أصحاب الخبرة والإلتزام ويؤهلهم للعمل في المجلس السياسي ما يضفي نكهة إضافية على الإنتخابات ويرفع مستوى التنافس على الملفات وليس على المناصب».
أمّا في ما يتعلّق بالورقة السياسية، فقد «خاض التيار الانتخابات النيابية على أساس مشروع وطني منسجم مع ورقة الأولويات الرئاسية، ويرتكز في عمله السياسي إلى برنامج وطني واضح يناضل على أساسه». يدرج التيار «نضاله السياسي في إطار مشروع تطوير النظام السياسي اللبناني الذي يحمل بذور تناقضات بصيغته المعرقلة التي تمنع اللبنانيين من التعامل بشكل إيجابي مع بعضهم بدليل ما أثبته وجود الرئيس ميشال عون، مدعوماً بكتلته النيابية وشعبيته في سدّة الرئاسة، لكنه لم يستطع أن يحقق برنامجه السياسي».
أيّ خطة عمل؟
تقول كتيلي إن «التيار شرع في ورشة عمل تحدّد موقعه وهويته بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، وبناء عليه تصدر خطة العمل للمؤتمر الوطني المزمع عقده في آذار المقبل لإقرارها. سنرى تعيينات جديدة في الأقضية أو اللجان المركزية. عدد كبير من المنتسبين أبدى رغبته بالإنتقال الى مراكز معينة، وآخرون فضلوا أخذ قسط من الراحة من العمل الحزبي والسياسي، ومن اليوم وحتى نهاية العام نكون قد أنجزنا الشق الكبير منها على أن يقرّ المؤتمر الوطني الخطة التنظيمية والسياسية».
وترى في التيار «نموذجاً يحتذى به بين الأحزاب السياسية في لبنان بالنظر الى تجربته. حتى دعاة التغيير والمجموعات السياسية الناشئة ليس عندها الحياة الديمقراطية التي يتمتع بها. في السنوات الإحدة عشرة الماضية أجرينا11عملية انتخابية على مستويات مختلفة».
التغيرات التي طالت النظام الداخلي
من التعديلات الأساسية على النظام الداخلي:
– تخفيض عدد أعضاء مجلس القضاء المنتخبين من خمسة الى ثلاثة «بما لا يؤثر على وزن القضاء في المجلس الوطني ويفعل عمل مجلس القضاء».
– تخفيض المجلس الوطني من 125 ممثلاً للأقضية إلى 75، بناء على اقتراحات تقدّم بها أعضاء مجلس القضاء إثر ورشة عمل.
– بات عضو المجلس السياسي ملزماً عند التقدم بترشيحه أن يتعهد بمتابعة ملف من الملفات السياسية أو الإجتماعية أو سواها بهدف تفعيل عمل المجلس.
– معالجة بعض الثغرات في النظام، لها علاقة بعمل بعض الهيئات خاصة في قطاع المهن وقطاع الانتشار، صار أعضاؤها مثل هيئة القضاء، معيّنين وليس منتخبين، وصار كل تنفيذي معيّناً، وكلّ تمثيلي تشريعي منتخباً.
– تعديل نظام مجلس التحكيم لناحية عدد الأعضاء وآلية العمل.
جبران باسيل: حزب الرئيس!
لا يمكن الحديث عن التغييرات التي يفترض أن يجريها «التيار الوطني الحرّ»، من دون السؤال عن موقع رئيسه جبران باسيل منها، خصوصاً انّه بات عرضة لانتقادات داخلية أيضاً. لا يتردّد البعض في اتهامه بأنّه حوّل «التيار» إلى حزب الرئيس الأوحد، المتفرّد في القرارات، وأنّ النقاش معه، وإن حصل، لن يؤدي إلى أيّ تعديل في قراراته أو تغييرها. لكن، هل يمكن القول إن باسيل، الذي سُمّي في وقت من الأوقات برئيس جمهورية الظل، سيكون مختلفاً بعدما انتهت ولاية الرئيس ميشال عون؟
المنتقدون لا يبدون متفائلين. بالنسبة إليهم، لم يعد باسيل يتصرّف بواقعية حتى داخل تكتله النيابي. هم لا يعرفون إن كان يرغب بالترشّح إلى الرئاسة أو لا، كما لا يسمعون منه أيّ إشارة إلى خطة «ب» رئاسية. وأحياناً، يستمعون إلى مواقف، لا يصارحهم بها، عبر وسائل الإعلام. مسألتان برزتا حديثاً على خلفية نهاية العهد والإنتخابات الرئاسية: انعدام الثقة بين التكتل ورئيسه بنسبة كبيرة، وحرمة البحث في البدائل. الحديث عن نقاشات صدامية بين نواب «التكتلّ» وباسيل، صار متداولاً، وفي حين يراه البعض «دليل صحة وتجربة لا نشهدها في اجتماعات الكتل»، إلّا أنّ الخشية من اتساعها لتصبح بقعة زيت باتت قائمة ايضاً. المطلوب من باسيل وفق المقربين «مراجعة حقيقية يعيد معها تفنيد أخطائه التي ارتكبها والأخذ في الاعتبار وجود مجلس قيادي يشاركه الرأي».
بعد نهاية العهد صار باسيل أمام إامتحان صعب «لحاجته الى إجراء مراجعة لمسار التعاطي الحزبي داخلياً، خاصة وأنّه ليس المؤسس للتيار ويعدّ من جيله الثاني، أي أنه ليس ميشال عون والاستقطاب لشخصه لن يكون مماثلًا له الّا بالعمل الدؤوب والاداء والاستقطاب».