“إني أرى أضواء روما الآن”. كلمات قالها المعلق الإماراتي عدنان حمد باكياً في 28 تشرين الأول 1989، بعدما حققت الإمارات “معجزة سنغافورة” بتعادلها مع كوريا الجنوبية 1-1 وفوز قطر الجنوني على الصين 2-1، ليتأهل “الأبيض” إلى مونديال 1990 للمرة الأولى والأخيرة في تاريخه.
باتت عبارة حمد، الذي كان يعلّق تلفزيونياً على المباراة الأخيرة أمام كوريا الجنوبية، أيقونة يتذكرها الإماراتيون مع كل تصفيات مونديال وفشل جديد في تكرار إنجاز 1990.
حتى أنها تحوّلت إلى فيلم سينمائي في 2016 حمل اسم “أضواء روما”، وأضاء على أجمل قصة عرفتها كرة القدم الإماراتية وولدت من رحم المعاناة.
كان صعود “الأبيض” إلى نسخة كأس العالم في إيطاليا أشبه بالمعجزة، فبعد التأهل إلى التصفيات النهائية لقارة آسيا التي أقيمت في سنغافورة عام 1989 بنظام التجمع، كانت الإمارات تفكّر بالانسحاب بعد استقالة اتحادها الكروي وتعيين لجنة موقتة، فلم تكن هناك مطالبة بالعودة بإحدى بطاقتي التأهل.
أهداف قاتلة وصدمة ثم تأهل تاريخي
بدأ “الأبيض” التصفيات بالتعادل مع كوريا الشمالية سلباً، لكنه عوض في المباراة الثانية بالفوز على الصين 2-1، بعدما بقي متأخراً حتى الدقيقة 87 بنتيجة صفر-1، قبل أن يقلب الطاولة على منافسه في أقل من دقيقتين بهدفي خليل مبارك وعلي ثاني.
تعادلت الإمارات مجدداً مع السعودية سلباً وقطر 1-1، لتخوض مباراة حاسمة مع كوريا الجنوبية التي كانت ضمنت أول مقعد عن قارة آسيا.
ورغم التعادل الرابع للإمارات، خطفت المقعد الثاني بعدما رفعت رصيدها إلى 6 نقاط، وبفارق نقطتين عن كوريا الجنوبية المتصدرة، بعدما قدمت لها جارتها قطر (5 نقاط) هدية ثمينة بالفوز على الصين (4 نقاط) 2-1.
قلب حينها “العنابي” تأخره صفر-1 حتى الدقائق الأخيرة، إلى فوز مثير بهدفي محمود صوفي ومنصور مفتاح.
يستعيد حمد، الذي رافق المنتخب الوطني في رحلتي التصفيات والنهائيات الذكريات ويقول لوكالة “فرانس برس”: “ذهبنا إلى سنغافورة من أجل المشاركة فقط بسبب استقالة اتحاد الكرة، وعدنا ببطاقة المونديال”.
أضاف: “إذا كان لألمانيا الغربية معجزتها في برن (في إشارة إلى إحراز ألمانيا للقبها الأول في المونديال عام 1954 في برن السويسرية على حساب المجر المرشحة) فإن للإمارات معجزتها في سنغافورة”.
وأكد حمد أن دموعه التي انهمرت كانت بسبب “اللحظات الصعبة التي عاشتها البعثة قبل مباراة كوريا الجنوبية”.
وأضاف أنه “حسابياً كانت منتخبات الإمارات والصين وقطر تملك فرصاً لحصد المقعد الثاني، وما زاد الأمر صعوبة وصول برقية عاجلة من فيفا قبل اللقاء الحاسم، تفيد بإيقاف أحد نجوم التصفيات عبد الرزاق إبراهيم (تحفة الخليج) بسبب عقوبة انضباطية عن مشاركة سابقة له في بطولة العالم العسكرية”.
تابع: “عدا عن صدمة إيقاف عبد الرزاق، فإن بعض لاعبي المنتخب المؤثرين مثل عدنان الطلياني وخليل وغانم مبارك شاركوا في مباراة كوريا الجنوبية، رغم إصابتهم وحُقنوا بأبر طبية حتى يستطيعوا اللعب”.
ورأى حمد، الذي ألّف لاحقاً كتاب (سنغافورة..أسرار لم تُحك) أن “كل هذه الأمور جعلت الأعصاب مشدودة من قبل أفراد البعثة المنهمكين بحسابات التأهل: عدم خسارتنا وعدم فوز الصين”.
الجيل الذهبي
مازال جمهور الإمارات يتغنى باللاعبين الذين أهّلوا المنتخب الوطني إلى كأس العالم وأطلق عليهم لقب “الجيل الذهبي”، رغم أن النتائج في نهائيات إيطاليا شهدت 3 هزائم وتذيّل “الأبيض” لمجموعته التي ضمت ألمانيا الغربية وكولومبيا ويوغوسلافيا.
ورأى عبد الرحمن محمد لاعب وسط الامارات والنصر السابق، والذي حمل شارة القيادة في المباريات الثلاث: “استحقينا لقب الجيل الذهبي عن جدارة، رغم أننا كنا لاعبين هواة، والصعود في وقتنا كان أصعب من الآن لوجود مقعدين فقط لقارة آسيا (4 مقاعد ونصف حالياً)”.
أضاف: “كنا عندما ندخل قبل المباريات جنباً إلى جنب أبرز لاعبي العالم، نشعر بأننا بحق لاعبو كرة قدم، كان شعوراً لا يوصف للجميع، وشخصياً لي بصفتي الكابتن (القائد) لأول منتخب إماراتي في المونديال”.
زاغالو وكارلوس ألبرتو
لم تتوقف المفارقات الإماراتية، حيث قادها في التصفيات البرازيلي ماريو زاغالو، لكنه أقيل من منصبه بعد أيام من الصعود التاريخي، وعُيّن مواطنه ورفيق دربه كارلوس ألبرتو باريرا بديلاً له في النهائيات، بعدما تم التعاقد معه لمدة 3 أشهر مقابل 100 ألف دولار.
وبدأت الإمارات مشوارها التاريخي في النهائيات بالخسارة أمام كولومبيا صفر-2، وسقوط كبير أمام ألمانيا 1-5، وهزيمة أمام يوغوسلافيا 1-4.
واعتبر محمد أن “النتائج التي حققتها الإمارات كانت طبيعية، فالمجموعة كانت قوية جداً، حيث أحرزت ألمانيا اللقب لاحقاً (فازت على الأرجنتين 1-صفر في النهائي) وكولومبيا كانت ضمن أبرز المنتخبات وقتها بقيادة كارلوس فالديراما، ويوغوسلافيا كتاريخ غني عن التعريف”.
هدف تاريخي بلا “رولز رويس”
ورغم الهزيمة الثقيلة أمام ألمانيا، استأثرت الإمارات بالأضواء بسبب انتشار خبر أن احد رجال الأعمال الإماراتيين وعد بإهداء سيارة “رولز رويس” لصاحب أول هدف في المونديال.
وكان خالد إسماعيل صاحب أول هدف بعدما قلص الفارق أمام ألمانيا إلى 1-3، لكنه يؤكد لفرانس برس أنه لم يحصل “حتى على دولاب رولز رويس التي تحدث عنها الإعلام العالمي”.
وأضاف: “خلال سفرنا إلى معسكر فرنسا استعداداً لكأس العالم، كان على متن الطائرة التي أقلتنا أحد رجال الأعمال، وقد وعد بإهداء سيارة رولز رويس لصاحب أول هدف إماراتي، وعندما سجلت الهدف بدأت أحلم باقتناء السيارة الفاخرة، ولكن في الحقيقة لم أحصل حتى على دولابها”.
وكشف نجم النصر السابق: “لم أكن أتوقع المشاركة في مباراة ألمانيا، بعدما غبت أمام كولومبيا، بسبب خلاف مع باريرا الذي دفع بي في اللقاء الأقوى تحت ضغط وسائل الاعلام، وليثبت لهم أنهم على خطأ، ولكن وُفّقت في تسجيل الهدف، الذي أعتبره الأهم في حياتي، لأنه كان الأول للإمارات في المونديال وفي مرمى بطل العالم وحارس مرماه العملاق بودو إيلغنر”.