كتب رمال جوني في “نداء الوطن”
منذ أيام ودخان مكبّ العباسية المحاذي لبلدة طير دبا يتصاعد، حاملاً ثاني اوكسيد الكربون وغاز الميثان السّامين، ما يهدّد حياة الناس بالسرطان والأوبئة. لا أحد يعرف السبب، الكلّ يتقاذف التهم، وإن وقع الاتهام على «فعل فاعل».
لم تفلح بلديات الجنوب في ايجاد حلّ لآفة النفايات التي تغرق القرى وتحوّلها إلى مكبّات عشوائية، لم تخضع يوماً لنظام الطمر، بل تعتمد سياسة الحرق كل فترة لإبعاد جريمة تجارة النفايات التي تنشط مع كل أزمة.
لن يكون مكبّ العباسية الذي احترق هو الأخير، قد تتبعه عشرات المكبّات التي لم تعد تتّسع لمزيد من النفايات، صحيح أنّ رئيس بلدية العباسية علي موسى عز الدين يعتبر «أنّ حرق المكبّ جاء بفعل فاعل، ولا سيما أن البلدية لم تقدم يوماً على فعل يلحق الضرر بصحّة الناس»، غير أنّ المكبّ احترق ومن الصعب إخماده، ما يعني أنّ أمن القرى المحيطة به في خطر.
صرخات الأهالي في المنطقة ارتفعت، دعوات عديدة أطلقت في وجه هذه المجزرة البيئية التي ترتكب في العباسية وفي كل القرى الجنوبية، لم تفلح استغاثاتهم يوماً في حثّ البلديات على اعتماد نظام الفرز من المصدر ولا بإنشاء معامل فرز أو معامل تحويل النفايات كهرباء، دعوات بقيت محصورة ضمن مواقع التواصل الاجتماعي، لم تترجم يوماً حركات اعتراضية على الأرض.
قبل أيام احترق معمل فرز النفايات في الزرارية ويُعدّ من أهم معامل الفرز في المنطقة، السبب ما زال مجهولاً. معمل فرز النفايات في الكفور متوقّف عن العمل بسبب الصراع الحزبي عليه. معامل أخرى لم تبصر النور، وحدها النفايات تؤكد أنّ البلديات التي يفترض أن تكون سلطة محلية لايجاد حل للأزمات، تحوّلت «سوق عكاظ» لتخليص بعض المعاملات، أمّا المشاريع الإنمائية فدخلت في صراع الأحزاب وغابت عن القرى.
منذ سنوات والناشط البيئي سليم يونس يعمل على ملف الفرز من المصدر، استطاع بجهد فردي أن يحقق نجاحاً في هذا الإطار، كسب ثقة الأهالي وأقنعهم بأهمّية فرز النفايات، أدرك باكراً أننا مقبلون على أزمة نفايات من الصعب حلّها أو معالجتها، وفق قوله «ما نشهد من حرق للمكبّات ما هو إلّا تأكيد على فشل البلديات ولا حل للأزمة إلّا بإعادة تدوير النفايات أو تحويلها كهرباء، وهذا الحلّ سيكون الأنجع وسيحرّر لبنان من العتمة، ويخلّصه من عدو النفايات القاتل».
يتحرّك يونس، كما غيره من الناشطين البيئيين، على خط الحدّ من ظاهرة حرق المكبّات، ويطالبون وزارة البيئة بالتدخّل، رغم يقينهم أنها «لن تشيل الزير من البير»، فالأزمة لن تدخل مسار الحل إلّا على أبواب الانتخابات البلدية، وقتها فقط قد تخرج الحلول من جوارير الأحزاب والدولة، وإن أكد وزير البيئة ناصر ياسين أنه سبق وتقدّم بإخبار حول الحرق العشوائي، وأنه أرسل عدة كتب للمحافظين لوقف هذه الممارسات المضرّة جداً، لافتاً الى أنّه سيخبر المدّعي العام البيئي في الجنوب حول هذا المكبّ.
اذاً، كارثة بيئية جديدة ضربت بلدة العباسية وصور وطير دبا، نتيجة احتراق مكبّ العباسية منذ عدّة أيام، كارثة ستفضح بلديات عدّة وتفتح السجال حول سبب غياب الحلول وسط سؤال: لماذا لم تعمد بلديات الجنوب الى تحويل نفاياتها الى كهرباء تغذّي القرى في زمن العتمة، وما الذي حال دون هذا المشروع الحيوي وقد عرضت دول عدّة تنفيذه في القرى؟
أسئلة تصبح مشروعة كلّما احترق مكبّ هنا وهناك، وكلما طافت القرى بالنفايات، غير أنّ الحقيقة المرّة تفيد بأنّ البلديات تحوّلت «دكاكين حزبية» أكثر من كونها سلطة محلية منتجة إنمائية، وما حرق مكبّ العباسية وقبله الكفور وبعده مكبّات أخرى، إلّا تأكيد على أنّ القرى مقبلة على أزمة نفايات خانقة في ظل فشل الدولة بكل أجهزتها، وحتى لو تحرّك القضاء فإنه سيكتفي بقرار يبقى حبراً على ورق وتبقى الأزمة على حالها.