كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
الرهان الإقتصادي القطري على لبنان، بدأ يُترجم مجموعة متسلسلة من الأحداث. فـ”ممالحة” لؤلؤة الخليج بلاد الأرز على طاولة “اتفاق الدوحة” الشهير في العام 2008، ومساعدتها القوى السياسية المتخاصمة على التوصل لحل بعد 18 شهراً من أزمات لم تخل من أحداث دامية، عزّزت الروابط بين الدولتين. وقد بدأ منذ العام 2020 يتبلور رابط “الخبز والملح” السياسي، استثمارات ومساعدات مباشرة وفرصاً تنموية واقتصادية.
في الوقت الذي تُحجم فيه جهات كثيرة عن مساعدة لبنان الرسمي، تبرز مساعي الدولة القطرية على تقديم الدعمين السياسي والاقتصادي لمؤسسات الدولة. وإذا كان الدور البارز الذي أدّاه الجانب القطري في اتفاق ترسيم الحدود البحرية، والعمل على شراء حصة الدولة اللبنانية في “الكونسورتيوم” النفطي إلى جانب “توتال” و”إيني”، هما بمثابة “حبة الكرز” على “قالب حلوى” الشراكة، فإن “كعكة” المساعدات تخفي الكثير من قطع الحلوى الاقتصادية والاجتماعية.
المساعدات القطرية
بعد نحو عام من إعلان الدوحة تقديم دعم شهري من المواد الغذائية للجيش اللبناني، أعلنت قطر قبل 5 أشهر تقديمها 60 مليون دولار دعماً للجيش. هذه المساعدة التي مكّنت الجيش من تأمين المصاريف التشغيلية الأساسية، ساعدت أيضاً على إعطاء كل عنصر 100 دولار لمدة قد تصل إلى 6 أشهر. بعدها بقليل أطلقت وزارة العمل اللبنانية منصة توفير فرص العمل في قطر. وذلك بعد إصرار القطريين على أن تكون هناك جهة رسمية محدّدة يتم التعامل معها. هذه المنصة التي تسمح للشركات القطرية بالبحث عن الأشخاص المؤهلين للعمل، ستوفّر فرص عمل كثيرة للشباب اللبناني. وقد وعدت الدولة القطرية وزارة الإعلام اللبنانية بتسهيل بثّ “المونديال” عبر الإرسال الأرضي للتلفزيون الوطني. الأمر الذي سيمكّن شريحة واسعة من اللبنانيين من متابعة المباريات مجاناً من دون تكبّد دفع ما لا يقل عن 100 دولار من الاشتراكات. إلى جانب ذلك يظهر اهتمام قطري بالاستثمار بالقطاعين السياحي والمصرفي اللبناني. حيث تجري بحسب المعلومات مفاوضات لشراء مجموعة أعمال قطرية فندق فينيسيا، وذلك بعد شراء فندق “لو سيغال”. وأن بعض الجهات يجمع معلومات عن بعض المصارف بهدف تقييم الاستثمار فيها بعد إعادة الهيكلة.
فرصة واعدة!
بعيداً عن المساعدات المادية والعينية، عبر الجهات الرسمية، فإن الاهتمام بالاستثمار في لبنان يطرح سؤالاً عن ماهية الرهان في بلد مأزوم الى هذا الحدّ.
في الشكل، ومن الناحية التقنية الصرف، فإن تراجع الأسعار وانخفاض كلفة الاستثمار، والأمل بعودة النهوض تشكل عوامل جذب. فما إن تستقرّ الأوضاع، وخصوصاً من الناحية السياسية حتى يعود القطاع السياحي إلى سابق عهده. كما أن إمكانية توفّر الغاز بكميات كبيرة في الحقول البحرية تستحق مخاطرة دخول قطر كمموّل لحفر الآبار الاستكشافية. خصوصاً مع ما تملكه من خبرات علمية وعملية في هذا الملف تحديداً.
أما في المضمون فإن “القطريين يشعرون أنهم القادرون وحدهم على فك أي اشتباك سعودي إيراني في المنطقة، نظراً لعلاقاتهم الجيدة مع الطرفين”، بحسب مصدر متابع. و”هم يملكون التفويض غير المباشر من الطرفين لتبريد الأجواء والتوترات في ما بينهما في اليمن والعراق ولبنان. وهذا ما برز بشكل واضح من خلال تسهيل إيجاد المخرج في موضوع ترسيم الحدود البحرية. وهناك اعتقاد عند بعض المسؤولين القطريين أن سحب اليد العربية من تحت بساط الأزمة اللبنانية، قد يكون من باب المناورة في الملف اليمني لتحصيل أكبر قدر من المكاسب”. وعليه فإن “أوراق” تدخل القطريين في الملف اللبناني قوية، وهم يستغلونها في الوقت الضائع. تساعدهم في ذلك علاقتهم القوية مع الولايات المتحدة الأميركية. حيث صنّفت الأخيرة قطر حليفاً لها من خارج الناتو.
الدعم لمؤسسات الدولة
من الواضح أن دولة قطر تحرص على عدم تكرار تجارب سابقة من خلال دعم أطراف في لبنان دون أخرى. وهي تحرص على توجيه الدعم إلى مؤسسات الدولة من جيش ووزارات الصحة والإعلام والإقتصاد والبيئة والتربية والمؤسسات التعليمية. حيث كان لافتاً على سبيل الذكر تبرّع الأمير حمد بن خليفة آل ثاني بمبلغ 1.5 مليون دولار لكل طلاب السنة الأخيرة في جامعات طرابلس.
خلية خليجية لدعم لبنان مستقبلاً
على عكس ما يعتقد كثيرون، إن الاهتمام القطري في لبنان يقوم على أنقاض علاقات لبنان الخليجية، فإن هناك للمرة الأولى خلية خليجية للبنان تتضمن كلّاً من السعودية وقطر والكويت. مهمّتها البحث في فرص الاستثمار وتطوير المشاريع وبناء الأعمال داخلياً في حال الاتفاق على رئيس متوافق عليه من خارج خانة الممانعة وحلفائها.
الإصلاح أولاً
بالإضافة إلى العامل السياسي، فإن كل مبادرات أهل الأرض لن تساعد لبنان إن لم يساعد هو نفسه. فجذب الاستثمارات لا يكون بالمؤتمرات والندوات والمساعدات، إنما بتنفيذ لبنان الإصلاحات. ولعلّ مؤتمر “سيدر” خير شاهد على ذلك. فهذا المؤتمر الذي خصّت فيه الدول لبنان بمساعدات تجاوزت 11 مليار دولار اشترطت تنفيذ جملة من الإصلاحات. ما زالت لغاية اللحظة معلّقة. وقد كرّر “ناظر” سيدر السفير بيار دوكان، في كل مرّة ضرورة إصلاح الكهرباء والمؤسسات والبنى التحتية، وايجاد الهيئات الناظمة في الوزارات، ولا سيما في الطاقة. والأمر نفسه سينسحب على النوايا الخليجية والأجنبية بمساعدة لبنان. فإن لم ينفذ الإصلاحات في ما يتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ووقف التلاعب بسعر الصرف ووقف المهاترات السياسية… فإن كل المبادرات ستتوقف أو ستكون من دون طائل.
احترام المؤسسات
إضافة إلى العوامل السياسية والمالية والنقدية الطاردة للاستثمارات، فإن غياب الرؤية الاستراتيجية الواحدة والموحّدة، والاستعاضة عنها بالشعبويات على المنابر وضرب المؤسسات الوطنية التي أنشأت لهذه الغاية تحديداً، يعتبر أمراً منفّراً، وبالغ السلبية”، بحسب رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات “ايدال” سابقاً نبيل عيتاني. فموازنة العام 2022 تضمّنت مواد متضاربة مع القوانين المرعية الإجراء. فنصّت مثلاً على إعطاء وزير المالية صلاحيات الإعفاء من الضرائب والرسوم لصناعات معينة في مناطق معينة، هي أساساً مشمولة في القانون 360 قانون تشجيع الاستثمارات”. وبرأي عيتاني لو “إن صانعي القرار لا يضيعون الوقت، ويطلعون على القوانين المنصوص عنها صراحة، لكنا وفرنا الكثير من الجهد في سوء تنفيذ القرارات. فلا يمكن نسب الصلاحيات المتعلقة بـ”ايدال”، مرة إلى وزارة الزراعة، ومرة إلى الصناعة وغيرهما، والشكوى من عدم وجود رؤية موحّدة. فيجب الاتكال على مؤسسة واحدة تجمع هذه القوانين كلّها وإعطاؤها الدفع والدعم المناسبين بالسياسة والإدارة لكي تأخذ مكانها الطبيعي وتساعد على دعم وتشجيع الاستثمار. ولا سيما في مجال إقتصاد المعرفة.
إنعدام الثقة وغياب الرؤية الواحدة يحوّلان التعامل مع لبنان إلى: “عالقطعة”. وهذا قمة الخطورة. وهو يتطلب بالإضافة إلى التوافق الداخلي، الإصلاح في العديد من الملفات. فهناك فرص واعدة في اقتصاد المعرفة. حيث يتميّز لبنان بنسبة خريجين تزيد عن 92 في المئة وهي تعتبر من أعلى النسب في العالم. وعليه فإن مواكبة الثورة الصناعية الرابعة، والمنافسة بما يتفوّق فيه لبنان والاستفادة من مؤهلاته تتطلّب الإصلاحين السياسي والاقتصادي.
إيرلندا مثال
الدور المهم الذي تؤدّيه مؤسسات تشجيع الاستثمار في الدول ظهر بشكل جلي في إيرلندا. فهذه الدولة التي كانت تعاني نمواً سالباً بنسبة 7.5 في المئة، أوكلت مهمة الاستثمار إلى مؤسسة واحدة وأعطتها كل الصلاحيات للتنسيق مع المستثمرين والجالية الكبيرة حول العالم. فكانت نتيجة ذلك البدء بمسيرة النمو وتحقيقها نمواً بمعدل 9 في المئة.