كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
أضيء الفضاء الطاقوي اللبناني المظلم على مدار الاسابيع القليلة الماضية بأنوار كهرباء 10/24 “الخاطفة”. “الفلاشات” المرسلة من وزارة الطاقة هدفت إلى إبهار المشتركين وحرف الانظار مرحلياً عن رفع التعرفة 70 ضعفاً. ورغم كل الحملات التسويقية، فان طبخة زيادة الانتاج ما زالت موضوعة على نار باردة. ولعل التخبط بتوقيت رفع التعرفة بين وزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء، خير دليل على عدم اليقين في ما خص القدرة المرتقبة على زيادة ساعات التغذية.
طبخة الكهرباء القديمة الجديدة المكونة من “الغاز أويل” و”الفيول أويل غرايد B”، المنوي استيرادهما بمناقصات عالمية، تأتي بعد حرمان “البنك الدولي” لبنان من تمويل استجرار الكهرباء الاردنية والغاز المصري، وذلك نتيجة عدم الالتزام بالشروط الاصلاحية. وقد عادت وزارة الطاقة إلى نغمة شراء الفيول من حساب المودعين في المركزي، على أن تعوّضه هذه المرة من خلال رفع التعرفة إلى ما بين 0.27 و0.37 دولار للكيلوواط ساعة.
مناقصتا شراء الفيول
بالفعل أطلقت وزارة الطاقة مناقصتين وليس ثلاث لشراء الفيول، كما يظهر على موقع هيئة الشراء العام. المناقصة الاولى تتعلق بشراء كمية 28 ألف طن متري من مادة الفيول أويل غرايد B، تُسلم في 10 كانون الاول القادم. والثانية مناقصة عمومية لشراء كمية من الغاز أويل للفترة الممتدة من شهر كانون الاول 2022 ولغاية شهر أيار 2023. طبعاً لم تلتزم “الطاقة” بالمهل الزمنية المطلوبة، ولم تراع مشاورة الهيئة في دفتر الشروط لضمان نجاح الأمر.
إعتمدت “الطاقة” في عملية تأمين الفيول على واحد من أمرين:
الأول تأمين مصرف لبنان التمويل المقدر بين 100 إلى 150 مليون دولار إلى حين البدء بالجباية على أساس التعرفة الجديدة.
الثاني، تأمين الجزائر للفيول مع فترة سماح لا تقل عن 6 أشهر. حيث يصبح بالامكان التسديد نتيجة اعتماد التعرفة الجديدة.
عوائق رفع التعرفة
إلا أنه في الحالتين هناك أكثر من عائق سيواجه هذه العملية حتى لو سلّمنا جدلاً برفع التعرفة.
العائق الاول يتمثل في أن مصرف لبنان “لم يحسم لغاية اللحظة قراره بتمويل فتح اعتمادت النفط”، بحسب المدير العام السابق للاستثمار والصيانة في وزارة الطاقة د.غسان بيضون. “فيما المفاوضات مع مختلف الاطراف لم تصل بعد إلى نتيجة تذكر. ولا سيما مع الجانب الجزائري الذي تسعى الطاقة إلى تأمين الفيول مع فترة سماح تمتد على 6 أشهر. فيما لا معلومات أكيدة عن مصير الصفقات مع العراق وإيران. ولو سلمنا جدلاً بان مصرف لبنان سيؤمن التمويل لهذه العملية المقدر بين 100 و150 مليون دولار أميركي، فهذا يعني المزيد من الضغط على سعر الصرف. إذ إن المبلغ سيجري جمعه من السوق السوداء ما يعني زيادة الطلب على الدولار، وبالتالي ارتفاع سعره. وهو الامر الذي يمثل مزيداً من التآكل في قدرات المواطنين الشرائية.
العائق الثاني تقني بامتياز ويتمثل بعدم وضع الآلية لقراءة العدادات قبل البدء بالتعرفة الجديدة لغاية اللحظة. ذلك مع العلم أن وزارة الطاقة أصدرت، بكل ثقة، أمراً لمؤسسة كهرباء لبنان للبدء بتطبيق التعرفة الجديدة مع أول الشهر الحالي. وهو الامر الذي كان سيكبد المستهلكين مبالغ مالية طائلة وغير محقة.
الهدر يمتص التعرفة
أما الاخطر فيتمثل في عدم تخفيض الهدر غير التقني (سرقة، تعديات على الشبكة، فواتير متأخرة…) المقدرة نسبته بأكثر من 40 في المئة. وإن لم تترافق زيادة التعرفة مع حملة قمع المخالفات فان نسبة الهدر هذه سترتفع. خصوصاً مع زيادة التعرفة، وتعمّد المواطنين التعليق على الخطوط أو وقف العدادات أو غيرها الكثير من الاساليب التي يتفنن اللبناني في اعتمادها للتهرب من دفع الفاتورة الكبيرة.
تراجع الايرادات
الآمال الكبيرة المبنية على زيادة التعرفة تترافق مع التوقع بتراجع الايرادات، نتيجة تطبيق التسعيرة نفسها المطبقة على الافراد، على المستفيدين من التوتر المتوسط (معامل، فنادق، مؤسسات تجارية كبيرة). في حين أن التعرفة السابقة كانت تميز بين اشتراكات التوتر المنخفض (منازل) واشتراكات التوتر المتوسط. هذا عدا عن كونها كانت أكثر عدالة نتيجة احتسابها على أساس 5 شطور تصاعدية، وهي: لغاية 100 كيلوواط ساعة. بين 100 و300 كيلوواط. بين 300 و400 كيلوواط. بين 400 و500 كيلوواط. ولما فوق 500 كيلوواط. في حين أن هناك فقط شطرين في التعرفة الجديدة أقل من 100 كيلوواط بسعر 10 سنتات. ولما فوق 100 كيلوواط على سعر 27 سنتاً. تحتسب على أساس سعر صيرفة (30100 ليرة).
البقايا المدورة
أمام كل هذه التحديات التقنية، تبرز العوائق التي تمثلها “البقايا المدورة” في وزارة الطاقة. وما تمثله هذه الاخيرة من خطر على شفافية وسلامة وأصول إجراء المناقصات. فهذه البقايا المزروعة في الادارات من العهد السابق المنتهي، ما زالت تتعاطى بالطريقة نفسها في تجاوز الاصول والقفز فوق القوانين المشرعة التي تهدف إلى حماية المال العام. وفي طليعتها القانون رقم 244 تاريخ 19/07/2021 والمعروف بقانون “هيئة الشراء العام”.
الإستمرارية المفقودة
خلافاً لكل التصورات الطاقوية غير المبنية على دراسات اكتوارية، فانه ليس بالفيول وحده تحيا المعامل. فعند تشغيلها لمدة 10 ساعات يومياً تتطلب صيانة وقطع غيار وتسديد مستحقات المشغلين والمتعهدين. هذه الاكلاف كانت تصل إلى 800 مليون دولار في السنوات مع قبل الازمة تسدد بالفريش دولار. وهو الامر الذي يدفع بيضون للاعتقاد بان “زيادة التعرفة ستذهب فقط لتمويل هذه النفقات وليس لتسديد السلفة من مصرف لبنان. وان الاخيرة سيكون مصيرها كسابقاتها من السلف المأخوذة، والتي لم ترد. وعليه فان فترة الاستفادة منها ستكون قصيرة جداً وهي لن تتجاوز مهلة الصفقة الاولى للشراء. وعليه قد نعود بعد فترة ليست بطويلة إلى النقطة الصفر في البحث عن مصادر لتأمين ثمن شراء الفيول.
رفع التغذية والمولدات
من التحديات التي ستعيق رفع ساعات التغذية أيضاً ولو بنسب متفاوتة ستكون كيفية إرضاء اصحاب المولدات المحميين من نافذين. فمع تغذية 10 ساعات تزيد بمقدار الضعف عما يحصل عليه المواطن من المولدات الخاصة، في الكثير من المناطق. ستعمد الغالبية العظمى إلى فصل الاشتراكات، وسنكون أمام مناوشات جديدة مع أصحاب المولدات الخاصة من غير المستبعد أن يفشلوا أي مسعى جدي أو حتى أن يطالبوا الدولة بالتعويضات.
في الاساس لم يوافق البنك الدولي على إعطاء قرض لتمويل صفقة الكهرباء الاردنية والغاز المصري لان وزارة الطاقة فشلت بتطبيق الاصلاحات الضرورية. ونقاط الخلاف الاساسية التي تتعلق تحديداً بتشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة وخفض الهدر، وتنويع مصادر الانتاج لم يُصر إلى حلها. فهل سيصار خلال الشهرين الفاصلين إلى تنفيذ ما عجزت عنه الوزارة طيلة الفترة الماضية.
باختصار التعرفة سترفع، والكهرباء قد تتأمن نسبياً، إنما لفترة محدودة وبكلفة أكبر بكثير من 27 سنتاً، سيدفعها المواطن الغارق في الديون. فهل بهذه الطريقة تعالج مشكلة الطاقة المستفحلة.