كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
مرّرت السلطة “تحت جنح” عدم ممانعة وزارة المالية السير بالتعرفة الجديدة التي أقرها مجلس ادارة الكهرباء، “جريمتها” النكراء برفع التعرفة أكثر من 60 ضعفاً. وزارتا الطاقة والمالية ومؤسسة الكهرباء… وكل المنظومة التي شاركت في “قتل” قطاع الطاقة عمداً بعدم الاصلاح والمواطن بإثقاله بالمزيد من الاعباء، ستمشي في “الجنازة”، متباكية على حتمية اتخاذها الخيار المر الوحيد المتاح. لكن على عكس الجرائم المعقدة التي يتطلب كشفها أشهراً وسنوات، فإن لدوافع ارتكاب “الطاقة” رفع التعرفة نتائج واضحة كـ”عين الشمس”.
فالسكوت عن هذه الجرائم لن يحرم اللبنانيين من فرصة الحصول على الضوء فحسب، إنما سيفتح الباب أمام المزيد من الارتكابات، وهذه هي الاسباب:
على عكس كل المبررات التي تسوقها الطاقة في معرض تبريرها رفع التعرفة، فان الهدف العريض هو مد اليد في المرحلة الاولى على ما تبقى من أموال للمودعين في مصرف لبنان، لتأمين تمويل بضع شحنات فيول إلى حين تفعيل آلية الجباية، وهذا ما يمثل الوجه الآخر من السلفات التي استنزفت الخزينة وأموال المودعين طويلاً. أما في المرحلة الثانية، فان الاموال المجباة بالليرة اللبنانية، وبمعدل وسطي يقدر بـ11 ألف ليرة للكيلوواط/ساعة، بداية، سيعيد مصرف لبنان تحويلها إلى الدولار لزوم شراء المحروقات. هذا مع العلم أن صفقة تبادل الفيول العراقي الجديدة لن تدخل في الحسابات في حال المضي بها قدماً؛ لا هي ولا صفقة الفيول الايراني. فهاتان الصفقتان هما مسؤولية الدولة وليس كهرباء لبنان.
بالإضافة إلى كلفة الفيول، فإن جزءاً من الأموال المجباة سيخصص للمصاريف التشغيلية، والتي منها: الدفع لمقدمي الخدمات وصيانة المعامل وشراء قطع الغيار… هذه المصاريف كانت تكلف عندما كانت التعرفة 9 سنتات، ما لا يقل عن 800 مليون دولار سنوياً، في حين يؤمن ثمن الفيول من سلفات الخزينة. الجزء الاكبر من هذه الاموال ذهب على العقود المنتفخة والتمويل السياسي. واليوم ومن دون أي إجراء إصلاحي في المصاريف التشغيلية تعود التعرفة لتدخل في القنوات السياسية لتغذيتها ورفدها بالاموال، بعدما جففها الانهيار”، بحسب مصدر متابع. “بما أن القوى السياسية أعجز من الافصاح عن أنها ستستمر بتمويل الكهرباء من الاحتياطي الالزامي، اخترعت كذبة رفع التعرفة كممر إلزامي لتأمين الحد الادنى من الضوء. وتكون بهذه الطريقة قد أمنت هدفين: الأول تغذية التمويل السياسي بمصادر جديدة ذات قيمة مرتفعة. والثاني، تغطية استعمالها أموال الاحتياطي الالزامي”.
السطو غير المباشر على أموال المودعين ستقابله سرقة مباشرة للمشتركين. فعدا عن أن الفواتير ستحصّل من 60 في المئة من اللبنانيين فقط، فانه عند إعلان ساعة الصفر لتغيير التعرفة، ستكون هناك عدادات كثيرة غير مقروءة. وحتى لو أصدرت الكهرباء فاتورة واحدة عن سنة أو سنة ونصف السنة، أو عن السنتين الماضيتين فانها ستكون تقريبية وبناء على متوسط المصروف خلال السنوات الماضية، خصوصاً أن جباة الإكراء لم يسجلوا العدادات منذ أكثر من 3 سنوات. وعليه ستتم سرقة الناس بأرقام عدادات تعود إلى الماضي. ولهذا على كل المواطنين تسجيل عداداتهم وتأريخها بتاريخ اليوم الحاضر.
بالاضافة إلى كل ما تقدم فان التعرفة التي حددت بـ27 سنتاً ربطت بـ 3 متغيرات. اثنتان منها مرتبطتان باسعار النفط عالمياً، وسعر الدولار على منصة صيرفة محلياً. وبالتالي ستغير الكهرباء الاسعار شهرياً بقرار من مديرها العام الثابت من زمان، وهذا ما يخالف نظام انشاء مؤسسة كهرباء لبنان الذي يتطلب لتغيير التعرفة قراراً من مجلس الوزراء، وبالتالي امضاء وزير المالية. أما العامل الثالت فهو تسديد الدولة فواتير استهلاك الطاقة الكهربائية من قبل كل الإدارات العامّة والمؤسسات، وتبلغ قيمتها حوالى 230 مليون دولار سنوياً، وبدء الدفع على التعرفة الجديدة، وفي حال عدم القيام بهذين الإجراءين تصبح التعرفة على المواطن 37 سنتاً بدلاً من 27 سنتاً. أمّا في ما خص الرسوم الثابتة، فسوف تزيد 30 في المئة عمّا كانت عليه بالسنتات قبل الأزمة المالية. وبما أن كل موازنة الدولة أصبحت تقدر بمليار دولار، فانه من المستحيل عليها تسديد الفواتير. وبالتالي ستكون التعرفة حكماً 37 سنتاً وليس 27 سنتاً.
عملياً عادت السلطة إلى عادتها القديمة، والتي أدت إلى عجز بقيمة 45 ملياراً يشكل 50 في المئة من العجز العام. فزادت التعرفة من دون إصلاح العجز الذي يقدر بالحد الادنى بـ40 في المئة ويتمثل في الفواتير غير المجباة والسرقة وتقادم الشبكة والهدر والفساد. أما اشتراط وزارة المال تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، قبل تطبيق التعرفة فأتى لزوم حفظ ماء الوجه. وعليه فرضت تعرفة جديدة تشكل الأعلى في العالم على الاطلاق، وتفوق المعدل الوسطي العالمي بأكثر من الضعف.