بين الضخّ التجريبي من البر إلى البحر في حقل كاريش الإسرائيلي، و«البث التجريبي» المرتقب في نسخته الثانية لجلسة الانتخاب الرئاسية في لبنان (الخميس)، مضت بيروت في يوميات الأنفاس المحبوسة فيما البلاد برمّتها كأنها تحوّلت مختبراً لـ«فئران التجارب» سواء في السعي لاستكشافِ كيفية تفادي فقدان النظام السياسي آخر «مناعته» أمام الفشل الكامل، أو في الخطط التي تُعتمد لمحاولة الخروج من الحفرة المالية السحيقة والتي بات المواطنون الحلقة الأضعف فيها.
وفيما كانت الأنظار شاخصةً على دبلوماسية التفاوض عن بُعد في ملف الترسيم البحري مع إسرائيل عبر الوسيط الأميركي آموس هوكستين تلافياً لعودة هذا المسار إلى النقطة صفر وتالياً قفْز السيناريوات الحربية إلى الواجهة، شكّل ما يشبه «تزييت» شركة إنرجين المشغّلة لحقل كاريش أنابيب الضخّ ولكن من الساحل إلى المنصة العائمة في الطريق إلى التشغيل الاستخراجي لاحقاً، محطةً بارزة أمس عكست إشارات تشَدُّد إسرائيلي وفي الوقت نفسه حَذَراً كبيراً بدت معه تل أبيب (وإنرجين) كأنها تسير بين «الألغام» والنقاط في دوْزنة خطوةٍ لا تريد بأي حال أن تكون صاعق تفجير للجبهة مع لبنان.
فإذ جاء الضخُ من البرّ إلى البحر بمثابة رسالةٍ إلى أن إسرائيل مستمرة في «أجندة» الإنتاج من كاريش قريباً وبمعزل عن حصول اتفاق الترسيم مع لبنان أم لا، وهي الرسالة التي اعتُبرت للاستهلاك في «صندوق البريد» الانتخابي، فإن تَعَمُّد تل أبيب عبر واشنطن إبلاغ الجانب اللبناني، ومن خلفه «حزب الله»، بالضخ العكسي وبأن هذا لا يعني بدء الإنتاج من كاريش شكّل مؤشراً قوياً إلى عدم رغبة الجانبين الإسرائيلي والأميركي في أي «سوء تفسير» لخطوة الضخ التجريبي أو جعْلها بمثابة «عود ثقاب» يحرق المفاوضات المتذبذبة في أمتارها الأخيرة ومعها التهدئة على الجبهة النائمة منذ 2006.
وفي حين فُسِّر ما كشفتْه تقارير في لبنان عن تَبَلُّغ المعنيين أيضاً رسالة أميركية بـ «البريد العاجل» بأن أي محاولة للتحرش أو التخريب على الضخ التجريبي واستهداف حقل كاريش أو المنصة العائمة يمكن أن يجرّ «رداً مدمّراً» على أنه في إطار حرص واشنطن على سحْب أي فتائل تفجيرية قد تخرج معها الأمور عن السيطرة بخطأ كبير أو قرار كبير، فإن بيروت «لم تنَم» وهي تُواصِل، عبر المكلفين التفاوض مع هوكستين وعبره، «تدليك» اتفاق الترسيم بعدما بدا أنه أصيب بـ«سكتة» عقب تقديم لبنان ملاحظاته على المسودة الأميركية ورفْض تل أبيب مسألتين جوهريتين فيها (اعتبار خط الطفافات حدوداً بحرية والتسليم بإعطاء إسرائيل حق منح الأذونات للعمل في الشطر الجنوبي من حقل قانا الممتد جنوب الخط 23) وتلويحها بترحيل الاتفاق لِما بعد انتخاباتها التشريعية.
وأشارت تقارير إلى أن الأيام التي تلت إعلان تل أبيب رفْض ملاحظات لبنان شهدت أخذاً ورداً عبر هوكستين شمل مسودات جديدة منقّحة تضمّنت تدويراً لعبارات قانونية لا تمس بجوهر الموقف اللبناني وذلك في محاولة لردم الفجوات وتفادي تعميقها، وسط ترقُّب لما ستحمله الساعات المقبلة على صعيد «انقشاع الرؤية» في ما خص حقيقة خيارات إسرائيل التي تبدو عالقة بين «ناريْن»:
إما الركون إلى اتفاق ترسيم بمزيد من التراجعات – وإن المجمَّلة – أمام لبنان ومن ورائه «حزب الله» الذي بدا وكأنه حقق نقاطاً مهمة في «معركة الوعي» وقطف انتصاراً بـ «وهج سلاحه» مع ما لذلك من تداعيات انتخابية.
وإما المخاطرة بالاكتفاء بموافقة بـ «الأحرف الأولى» على جوهر الاتفاق وترْك حسْم مسألة الملاحظات لِما بعد 1 نوفمبر الإسرائيلي وبالتالي المغامرة باستدراج مواجهةٍ لا ينصح بها أي من قادتها العسكريين والأمنيين، ولا سيما إذا لم يكن تعليق الاتفاق كافياً لفوز يائير لابيد وحقق بنيامين نتنياهو انتصاراً على هدير توعُّده النسخة الحالية من الترسيم بالتمزيق.
الرأي الكويتية