تتسارَع خطى رفع الدعم عن المحروقات في لبنان، وتبقى حتى الآن أقلّه الأدوية المزمنة والطحين خاضعة للدعم عند السعر الرسمي لصرف الليرة اللبنانية. طبعاً، هناك رَفع غير معلن للدعم عن فاتورة الكهرباء عبر قطع الكهرباء لأكثر من 22 ساعة يومياً في كافة أنحاء البلاد.
في الواقع يقف التحرير النهائي للاسعار عند حلٍ لتسعير الخدمات العامة، وهي اضافة للكهرباء، الهاتف، الرسوم الثابتة للمعاملات الحكومية وتسعير الرسوم الجمركية، والتي يتوقع تحريرها بالتدرّج خصوصاً بعد بداية الاستفادة من البطاقة التمويلية التي يفترض أن تعطي 70 % من العائلات مبلغ 90 دولاراً تقريباً. البطاقة مصَمّمة لتفادي آثار رفع الدعم والانهيار الاقتصادي الواسع رغم محدودية أثرها، مقارنة بحجم التضخم الحاصل والمتوقّع، بالإضافة الى الشكوك الواسعة حول قدرة هذا التمويل على الاستمرار لفترة طويلة في ظل شح مصادر النقد الأجنبي في البلاد.
يطرح تحرير الاسعار معضلة أخرى هي مدى قدرة السيولة المتوفرة بالليرة اللبنانية على تمويل مستوى الاسعار الجديد. فالمحروقات ستشهد ارتفاعاً يعادل 1000 % مقارنة بالعام الماضي، وهذا وحده كفيل بإطلاق دينامية جهنمية لارتفاع مستوى الاسعار لكافة السلع والخدمات، كون المحروقات هي عَصب أي اقتصاد، وتدخل في احتساب كلفتي النقل والإنتاج والتوزيع، كما تعتبر مؤشراً للسعر العادل لتقديم الخدمات المتنوعة في الاقتصاد.
يمكن النظر إلى تعميم مصرف لبنان رقم 158 كأحد منافذ خلق سيولة إضافية في السوق تلبّي المستويات الجديدة للأسعار، حيث سيستفيد أصحاب الحسابات الخاضعة للتعميم من مبلغ 7 ملايين ليرة شهرياً تقريباً وفقاً لسعر منصة صيرفة الحالي.
إنّ نفس رقم الملايين السبعة هو المرشح ليصبح الحد الأدنى للأجور، وهو حالياً أقل من عِشر هذا المبلغ. كذلك تواترت معلومات غير مؤكدة ل”الجمهورية عن رفع سعر التحويل من الودائع الدولارية غير المستفيدة من التعميم 158 من 3900 للدولار إلى 10000 آلاف ليرة للدولار.
وسوف تعمل الإجراءات الجديدة على تأمين سيولة واسعة بالليرة اللبنانية تتناسّب مع مستويات التضخم المتوقعة مع إنجاز رفع الدعم، ولكن في ظل تعطّل النمو الاقتصادي ما الذي يمكن أن تشكله زيادة السيولة بهذا الحجم على المستويات المتوقعة للتضخم؟
وكيف سيتم التوسع في السيولة ومن اية مصادر؟ في الظروف الحالية يمكن ذلك من 3 مصادر فقط:
1_ إستخدام السيولة الدولارية لحصّة لبنان من مخصصات صندوق النقد الدولي لسحب كميات النقد الإضافي المطبوع وتمويل سوق القطع لاحتواء التضخم
2 _رفع الرسوم وإعادة تسعير الدولار الجمركي.
3 _ طبع المزيد من العملة وتوسيع القاعدة النقدية.
المصدر الاول يشكل استعادة لسياسات التفريط بالنقد الاجنبي، وهي المسؤول الاول عمّا وصلنا اليه بالإضافة الى كونها أداة قصيرة الاجل سرعان ما سيتبخّر أثرها نظراً لضغط العناصر والتضخمية.
وعلى رغم أنّ للمصدرين الاخيرين آثاراً تضخمية واسعة، يبقى ذلك الجزء المرتبط بزيادة الرسوم أقل أثراً من طباعة النقد، رغم انّ الأخير هو الاكثر قدرة واحتمالاً للتوسّع في السيولة.
ونتيجة لهذا التوسّع، سوف تنطلق موجة تضخم جديدة يصعب السيطرة عليها، بل قد تؤسّس لدينامية ارتفاع أسعار مستقلة عن رفع الدعم، وتتطلب المزيد من طبع السيولة لتمويل مستويات تضخم مرتفعة باضطراد.
هكذا ندخل في دوّامة التضخم المفرط (الجامح) التي لم تدخلها دولة الّا من خلال طريقة لحس المبرد، الذي يتحوّل من خيار مضبوط في الإجراءات النقدية إلى مسار اضطراري يُشبه القطار الذي فقد مكابحه في طريقٍ منحدر.
هناك دواع كثيرة للهلع من أنّ النماذج الحديثة للتضخم المفرط، مثل فنزويلا وزيمبابوي، قد تصبح على ألسنة التشبيه قريباً.
المصدر: المركزية