كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:
لم يكن أمام اللبنانيين إلا حل واحد لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار المحروقات وتعثر قطاع النقل العام وهو: الدراجة النارية بدلاً من السيارة. وهي ظاهرة لطالما تكلمنا عنها وسلّطنا الضوء عليها. فاللبناني يجد حلّاً لكل شيء ليبقى واقفاً على قدميه. فبعدما تراجعت قدرته الشرائية، اضطر الى تغيير سلوكيات حياته اليومية وإعادة ترتيب أولوياته.
أصبح من الصعب اليوم وصول الافراد الى أماكن عملهم والى المدارس والجامعات، نظراً لكلفة النقل المرتفعة، والتي تفوق قدرتهم المادية، إضافة الى انهيار قطاع النقل العام الذي يجب أن يكون البديل الأنسب في هذه الحالات. ورغم مخاطر ركوب الدراجات النارية، الا انها أصبحت وسيلة نقل اساسية في لبنان كون اقتنائها أقل كلفة من اقتناء سيارة.
«شرّ لا بدّ منه»، هكذا وصف الوضع أحد ركاب الدراجة النارية قائلاً :»إن ارتفاع الاسعار في لبنان دفع عدداً كبيراً من اللبنانيين الى التفكير بشرائها، في الوقت الذي لم تكن تخطر في بالهم من قبل. وما زاد من ارتفاع اسهم الدراجة النارية وجعلها مرغوبة كوسيلةَ نقل، هي الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان، والرواتب المتدنية، وأزمة البنزين وارتفاع أسعار المحروقات تدريجياً وبشكل مستمر».
الإستيراد بالأرقام
وفق دراسة «الدولية للمعلومات»، تم استيراد 177 الف دراجة نارية في 6 سنوات. «نتيجة الازمة المالية التي يمر بها لبنان التي أدت الى ارتفاع أسعار المحروقات وتالياً كلفة النقل، عمد الكثير من اللبنانيين إلى شراء الدراجات النارية لاستخدامها في التنقل كبديل عن السيارة. فبعدما شهد العام 2021 استيراد 29,102 دراجة نارية ارتفع العدد الى 47,077 دراجة حتى نهاية تموز 2022 ليصل إجمالي عدد الدراجات التي تم استيرادها خلال الأعوام (2017-2022 في نهاية تموز 2022) الى 177,388 دراجة. أما إجمالي الدراجات المسجلة فيبلغ نحو 289 ألف دراجة أما غير المسجلة فربما تقترب من هذا العدد ولكننا لا نملك رقماً دقيقاً».
إرتقاع الطلب على الدراجات النارية
ومع تطور الازمة في لبنان وضيق الاحوال، بدأ اللبنانيون يبحثون عن وسائل نقل لا تكلف الكثير لناحية البنزين وارتفاع كلفة التصليح والصيانة، من بينها الدراجات النارية الصغيرة التي تتميز بسعرها المنخفض مقارنةً بأسعار السيارات وتكلفة قطعها وتصليحها والبنزين.
ويؤكد عدنان العطار وهو صاحب شركة العطار للدراجات النارية ان «الطلب على الدراجات النارية وقطع غيارها ارتفع بشكل ملحوظ بعد ارتفاع أسعار المحروقات بشكل تلقائي، حيث ان معظم موظفي الدولة وطلاب المدارس والجامعات وغيرهم اعتمدوا استعمال الدراجات النارية كبديل اوفر من باقي المواصلات.أما بشأن تطور الأسعار، فبالرغم من زيادة الطلب على الدراجات النارية، إلا أن الأسعار انخفضت بسبب انخفاض الكلفة على المستورد، لناحية انخفاض تكلفة الشحن من الخارج التي كانت حوالى 17000 دولار للحاوية (الكونتينر) والشحن الداخلي على حد سواء».
حلول فردية بغياب الدولة!
«بشكل عام، عندما تكون الدولة غائبة في ظل الانهيار، وعندما تكون عاجزة عن تأمين بدائل للمواطن تغنيه عن بعض السلع التي أصبحت باهظة الثمن، يتجه المواطن الى ايجاد الحلول بنفسه أي «حلول فردية» وليست حلولاً جماعية على مستوى المجتمع»، يقول شادي فرج، وهو من مؤسسي جمعية حقوق الركاب، «الأمر الذي دفع عدداً منهم الى مخالفة القوانين واللجوء الى الامور غير المنظمة، فسوء استعمال الدراجات النارية والتوك توك، وعدم تسجيلها وتأمينها هي من أهم أسباب هذه الظاهرة، وهي نتيجة لغياب سياسات النقل وعدم تحمل المسؤولية من قبل المعنيين. فهم رفعوا الدعم عن المحروقات ولم يضعوا أمام المواطن اللبناني أي بدائل أخرى، إن كان من ناحية النقل العام أو عن طريق الاستثمار في خطوط وخدمات جديدة في النقل. وحتى اليوم، لا يوجد أي خطة نقل واضحة، وعلى الرغم من وصول الـ50 باصاً، الهبة التي وصلت من فرنسا الى لبنان لتطوير النقل العام، لم تتمكن الدولة من الاستفادة منها، فالدولة بالأساس عاجزة عن إدارة مؤسساتها، فكيف ستتمكن من ادارة وتشغيل هذه الباصات؟
لبنان بحاجة الى منظومة لتنظيم النقل العام فيه. فالمواطن يحاول إيجاد الحلول لتلبية حاجاته اليومية، ولكن هذه الحلول ليست إلاّ موقتة. «فلو تمّ دعم قطاع النقل بشكل سليم بدلاً من دعم تجار المحروقات، لكانت الامور اختلفت»، يقول فرج، «ما يعني أنه كان من المفترض ان تقع أموال الدعم بين الايدي الصحيحة وليس بين أيدي التجار، وذلك لدعم مشاريع لها فائدة على المدى البعيد، كوضع خطة للنقل وشراء باصات إما للنقل العام أو حتى للنقل الخاص الموجود، وانشاء مسارات للدراجات الهوائية والنارية في المدن الكبرى».