كتبت راكيل عتيق في “نداء الوطن”:
بعد نجاح المحاولات الفردية لعدد من المودعين باستعادة بعض من ودائعهم عبر اقتحام المصارف التي ائتمنوها على أموالهم، يبدو أنّ السبحة كرّت وبدأت تأخذ منحى آخر، فباتت أكبر عدداً وأكثر تقارباً زمنياً، وتجلّت أمس بعدد من «الاقتحامات» بالتزامن، قيل إنّ أحد «أبطالها» عسكري في الجيش. هذه المحاولات التي قد تبقى محدودة ومحصورة أو تكون مُنظّمة وتتوسّع الى درجة التفلت، تؤرق المؤسسة العسكرية مثل أي مظاهر أخرى لـ»الغضب الشعبي»، فالأمن الاجتماعي يُشكّل الهاجس الأكبر لدى القيادة العسكرية، ويستمرّ قائد الجيش العماد جوزاف عون في التحذير من «الخطر الأكبر»، وهو تأثير الوضع الاقتصادي على الوضع الأمني – الاجتماعي مع انعكاساته في الشارع، إذ كلّما اشتدت الأزمة المالية – الاقتصادية – المعيشية سيتوسّع «الفلتان» الاجتماعي – الامني. فهذه التحركات لا تُحلّ بالأمن فقط، بل بالسياسة والإقتصاد لأنّ سببها سياسي واقتصادي.
وبالتالي سيكون الجيش مجدداً أمام تحدّي التعامل مع هذه التحركات الاحتجاجية والاعتراضية، علماً أنّ السلطة السياسية هي المسؤولة عنها إذ إنّها من تسبّبت بالأزمة أولاً ومن تقاعست قصداً أو عجزاً عن حلّها ثانياً، مع الأخذ في الاعتبار أنّ العسكريين مِن أكثر من يعانون جرّاء هذه الأزمة. لذلك سيتعامل الجيش مع أي تحرُّك بطريقة «كلّ حالة بحالتها»، فهو لا يمكنه منع الناس من النزول الى الشارع والتعبير عن غضبهم وآرائهم، لكنه سيتعاطى مع كلّ تحرُّك بأسلوب، إن كان تظاهرة أو اقتحام مصرف أو غيره… فقد «يشد» في مكان و»يرخي» في آخر، ليمنع أي فتنة داخلية.
التعامل مع انعكاسات الإستحقاق الرئاسي
الى الأمن الاجتماعي، تبرز، عند كلّ استحقاق دستوري وسياسي رئيسي في لبنان، التوجسات والمخاوف من اهتزاز أمني أو أعمال إرهابية وتحركات فوضوية، إمّا لعرقلة هذا الاستحقاق وتأجيله أو لتحديد وجهته بما يتلاءم مع هذه الجهات القادرة على «تعكير» الاستقرار، أكانت داخلية أم خارجية. ويتعزّز هذا القلق من أي مخاطر أمنية، خصوصاً عندما يُفتقد التوافق بين الأفرقاء السياسيين في الداخل وتُغطّي «الضبابية» مصير هذا الاستحقاق ومساره، تماماً كما هو حاصل في هذه اللحظة السياسية قُبيل انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في 31 تشرين الأول المقبل. إنطلاقاً من ذلك تصبح الأسئلة «المصيرية» مطروحة كما كلّ الاحتمالات المفتوحة أمام هذا الاستحقاق المفصلي. وتتركّز هذه الأسئلة أمنياً، على دور الجيش اللبناني ووضعه واستعداداته. فهل هو قادر على ضبط الوضع ومنعه من التفلت؟ هل يُمسك بالأوضاع الأمنية؟ وهل هو قادر أساساً على الاستمرار بتماسك؟ وماذا لو حصلت الفوضى؟ ماذا لو قرّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عدم مغادرة القصر الجمهوري عند انتهاء ولايته؟ وكيف سيتعامل الجيش مع هذا السيناريو؟
تستبعد جهات عدة إقحام الجيش في سيناريو «جهنمي» كهذا، كذلك تستبعد حصول هذا السيناريو من أساسه، إذ إنّ حدوثه يعني أنّ البلد متجه الى وضع آخر وحالة جديدة لن يكون للجيش أساساً قدرة على مواجهتها أو احتوائها، فيما أنّ المجتمع الدولي يشدّد قولاً وفعلاً، على ضرورة دعم الجيش ومساندته للبقاء صامداً، إذ إنّ الخارج يعلم حسياً أنّ صمود البلد واستمراره رهن صمود المؤسسة العسكرية واستمرارها، فالأمن والاستقرار مُناطان بالجيش الذي أثبت ذلك في أكثر من محطة، وتمكّن من خلال تماسكه والتزامه قرارات قيادته، من اجتياز استحقاقات صعبة وخطيرة، و»إنقاذ» البلد من فتن ومطبات أمنية عدة، خصوصاً بدءاً من «ثورة 17 تشرين» 2019 الى الانتخابات النيابية في أيار 2022، مروراً بمعارك مكافحة الإرهاب والمخدرات والتهريب واحتواء أي تحركات فوضوية في المناطق الحساسة وفي مخيمات اللجوء والنزوح.
وتعتبر جهات مطّلعة أنّ سيناريو «طريقة التصرف» في حال بقي عون في القصر الرئاسي بعد ليل 31 تشرين الأول المقبل، غير مطروح جدياً أمام قيادة الجيش، إذ إنّ رئيس الجمهورية لا يُمكنه «حمل» خطوة كهذه، ولن يعمد مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الى القيام بهذه «الدعسة الناقصة»، خصوصاً أنّ باسيل يحاول العمل على رفع العقوبات الأميركية عنه.
أمّا بالنسبة الى أي تحركات شعبية، إن كانت داعمة لعون ومواكبة لمغادرته القصر الجمهوري في بعبدا أو معارِضة له، فإنّ الجيش سيتعامل معها ومع مرحلة الشغور الرئاسي إذا حلّ و مرحلة ما بعد العهد، إنطلاقاً من التزامه قسمه الذي يقضي بعدم السماح لأحد بالمس بالأمن والاستقرار، وهو جاهز وحاضر لأي سيناريو أو مرحلة، تماماً كما هو دائماً، إن خلال العهد الحالي أو بعده أو في أي وقت وظرف، وتبقى مهمته الأساسية نفسها، وهي حماية الأمن والاستقرار.
محاربة الإرهاب لم تنتهِ
على صعيد موضوع الإرهاب، وما يُتداول عن تحركات جديدة لخلايا إرهابية نائمة أو دخول «إرهابيين جُدد» الى البلد، يتعامل الجيش مع هذه المعركة على أنّها مفتوحة ودائمة، وذلك منذ معركة فجر الجرود، فهو يعتبر أنّ هذه المعركة الأمنية لم تنته لأنّ لبنان مفتوح على هذا الخطر الإرهابي انطلاقاً من محيطه وموقعه في منطقة تعاني باستمرار من هذا الخطر. ويستمر الجيش في تتبع الخلايا الإرهابية وتوقيفها، وكان آخرها «خلية القرعون». وفيما تفيد معلومات أن لا جديد على مستوى دخول إرهابيين الى لبنان، يبقى التخوف دائما من هذا الخطر، إذ إنّ تهريب الإرهابيين الى لبنان وارد وقائم، وحين يجري الضغط عليهم في دول عربية «ينزحون» الى لبنان، وبالتالي إنّ تعاطي الجيش مع مسألة الإرهاب يجري وفق أعلى مستويات الدقة والحذر والأمن الاستباقي والمتابعة وبوتيرة متواصلة لمنع هذه الخلايا من تنفيذ أي نشاط إرهابي.
عوامل اطمئنان
لكن استمرار الجيش في خوض هذه المعارك كلّها والحؤول دون حصول «الفوضى الهدامة» يستدعي مقومات للحفاظ على تماسكه وصموده. ويبدو أنّ هذه المهمة يتولاها قائد الجيش بمفرده، في ظلّ غياب فاضح ومريب للسلطة السياسية المدنية، فكلّ الحاجات الملحة للمؤسسة العسكرية تصل عبر سعي حثيث لقائد الجيش مع المجتمع الدولي والجهات المانحة، وكان آخرها الهبة القطرية، بحيث يتلقى الجيش مبلغا شهريا من الدوحة يوزعه بالتساوي على عديده، فيحصل كلّ ضابط أو عسكري أو موظف مدني في الجيش على 100 دولار شهرياً بموجب هذه الهبة. كذلك أتت زيارة قائد الجيش الأخيرة لإيطاليا في إطار الزيارات الخارجية التي يجريها لطلب دعم الجيش، وطلب العماد عون من المسؤولين الذين التقاهم في إيطاليا مساعدات تشمل دعم العسكريين مادياً، ومحروقات ومواد غذائية وطبية، فهذه حاجات الجيش الأكثر إلحاحاً، فتلقى وعداً باستمرار الدعم الذي لم تُعرف بعد طريقة ترجمته. هذا في وقتٍ يستمرّ الجيش بتلقي مساعدات من الولايات المتحدة الاميركية المانح الأساس والداعم الأكبر للمؤسسة العسكرية، كذلك يتلقى مساعدات من لبنانيين مقيمين ومغتربين ومن مؤسسات عدة، بحيث تُوجّه القيادة معظم هذه المساعدات الى الطبابة التي تعتبر أنّها الأساس والأهم بالنسبة الى العسكريين، فالجيش يُعدّ الآن المؤسسة العامة الوحيدة التي تقدّم الطبابة والاستشفاء للعسكريين إن كانوا في الخدمة الفعلية أو متقاعدين، بنسبة مئة في المئة لهم ولعائلاتهم، وذلك على رغم الأزمة المستفحلة والنقص في الأدوية والأطباء.
وعلى رغم الوضع الصعب والظروف القاسية التي يعيشها العسكريون على غرار غالبية الشعب اللبناني وموظفي القطاع العام، لا تزال قيادة الجيش مطمئنة الى وضع المؤسسة، وهي تثق في العسكريين وتؤمن بقدرتهم على تنفيذ المهمات المطلوبة منهم، خصوصاً أنّ هناك طلبات كثيرة مُقدّمة للتطوع في الجيش، إضافةً الى طلبات الاسترحام التي يقدّمها عسكريون كانوا قدّموا طلبات لتسريحهم أو هربوا من المؤسسة.
وقد يكون أكثر ما يُطمئن الى وضع الجيش وبالتالي الى وضع البلد بالحد الأدنى، أنّ المجتمع الدولي لا يكف عن إيصال رسائل تؤكد دعم الجيش، إن عبر السفراء لدى لبنان، أو خلال استقبالات قائد الجيش أو زياراته الخارجية، خصوصاً لجهة اعتبار المجتمع الدولي أنّ مساعدة الجيش أساس لكي يبقى واقفاً على رجليه لمنع سقوط البلد والحؤول دون زعزعة الاستقرار.