كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
أحياناً، يكفي تحذير أمني واحد، بناءً على معطيات ميدانية، لترتفع نسبة الاحتمالات السوداوية. وفي هذه المرحلة الانتقالية، على مشارف انتهاء عهد رئاسي وفي ظل حكومة تصريف أعمال، تكثر التحذيرات من معنيين أمنيين ومتابعين بدقّة لمجريات الأحداث السياسية والأمنية على السواء، معطوفة على إشارات خارجية بضرورة التنبّه الى خطورة الوضع الداخلي.
وتكمن الخطورة أن المشاورات في الملفين الرئاسي والحكومي تجرى تحت سقف تحذيرات مفرطة من الوضع الذي يمكن أن يصل إليه لبنان في حال فشل المفاوضات حول الملفين. حتى الآن، معلوم أن المفاوضات تجرى بين حدّين: نجاح المفاوضات للتوصل إلى توافق على شخصية رئاسية مقبولة، وإلا إخراج الحكومة في الدقائق الأخيرة من عمر العهد كأفضل الحلول السيئة لسحب الاحتقان لدى القوى السياسية التي ترفض حكومة تصريف الأعمال. لكن بين الحدّين، يظلّل سيف الخطر الأمني الكلام عن ضرورة كسر الحلقة المفرغة بين الرئاسة والحكومة والبدء بتهيئة الظروف المناسبة لإخراج – ولو أولي – للأزمة، حتى لا يكون لبنان فريسة اضطرابات وتدهور غير مسبوق، مع نصائح خارجية بالأخذ بهذه التنبيهات قبل فوات الأوان.
وتتعلق هذه التحذيرات بكثير من الملفات العالقة أمنياً مع بدء تظهير بؤر التوتر المعتادة. وفي المعلومات أن هناك تحذيرات من جزر أمنية معتادة، وُضعت أخيراً تحت المجهر، بعد تسليط الضوء عليها كما حصل في طرابلس أخيراً. والخطورة أن هناك نفخاً غير اعتيادي في تظهير حالة عاصمة الشمال وما تشهده من حوادث، سواء بالنسبة الى زوارق المهاجرين أو عودة العناصر الأصولية إليها، أو حتى حوادث القتل الجنائية. وهذا النفح ليس نابعاً من فراغ، إذ إن هناك محاولات للاستثمار السياسي والأمني في هذه الحوادث، وخصوصاً في ظل معلومات مبالغ فيها وأخرى صحيحة حول تحركات غير اعتيادية قد تحوّلها إلى ورقة مساومة في الأعمال الأمنية. وبما أن أي توتر أمني يحتاج الى شرارة، فإن الخشية المعتادة أن تتحول طرابلس الى هذه الشرارة، على جاري محاولات استخدامها، ولا سيما مع احتمالات تسرب عناصر إليها من خارج المنطقة. التحذيرات تشمل أيضاً ضرورة الحذر من بؤر توتر أخرى، كاستغلال إثارة موضوع النازحين السوريين مجدداً، وهو ما يشكل نقطة جذب أمني في توقيت إثارته مجدداً، وعمليات نقل نازحين الى أوروبا واستخدام نقاط تجمّعهم في لبنان، مع تزايد عمليات توقيف سوريين وازدياد نسبة الحوادث والتوقيفات التي تطال سوريين، إضافة الى ملف أساسي يتعلق بسجن رومية وضرورة إبقاء العيون مفتوحة على ما يجري حقيقة فيه.
وإذا كانت المعطيات المتعلقة بأوضاع أمنية هي من الملفات العالقة منذ سنوات من دون معالجة جدية، إلا أن الوضع المالي المتدهور عاد ليحتل صدارة المحاذير الأمنية. منذ أسابيع، أبدى كبار المصرفيين في اجتماعات مغلقة خشيتهم من تكرار حوادث اقتحام المودعين للمصارف وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على وقفها، ولا سيما بعد تدهور أوضاع أفراد المؤسسات الأمنية المولجة بحماية المصارف. فإذا كانت المصارف «تمون» على قادة أجهزة عسكرية وأمنية، الا أن العناصر الأمنيين والعسكريين يظهرون تضامنهم مع المودعين، ما يضاعف من قلق المصرفيين من أداء هؤلاء العناصر. لم يكن في حسبان هؤلاء أن تقع حوادث أمس بالسرعة التي كانوا يخشونها، رغم أنه في المبدأ تأخّر المودعون كثيراً في القيام بردة فعل لسحب أموالهم. لكن الخوف المصرفي معطوفاً على محاولة القوى الأمنية التحسّب لما يمكن أن يحصل، سيزيد من عوامل التوتر، على أبواب استحقاقات معيشية داهمة تضاف الى هموم اللبنانيين، مع استمرار انهيار سعر الليرة وارتفاع أكلاف المحروقات على أبواب الشتاء.
ومع اقتراب المهل الحاسمة بالنسبة الى الاستحقاقات، فإن التحذير الأمني ارتفع الى مرتبة أعلى من قبل، معزّزاً بلفت نظر الى أن تراكم الإشكالات يضاعف كذلك فرص استغلالها، من تداعيات انفجار المرفأ قضائياً الى ما يحضّر للكابيتال كونترول والموازنة، ما يضيف أسباباً موجبة الى سجل التوترات التي تحتسب بدقة.
إلا أن سوء التقدير السياسي يجعل التحذير الأمني الخارجي والداخلي في واد، وتعامل القوى السياسية مع خطورته في واد آخر. حتى إن هناك من يقلّل من خطورة توسّع أيّ توتر والإصرار على التعامل مع أي حدث على أنه محصور ضمن إطار ضيق. وفي أحسن الأحوال، فإن قوى أساسية تتصرف إزاءه على أنه من عدّة الشغل الخارجية كفزاعة لكبح جماح الاندفاعات الداخلية، وليس على أساس خطورته.