يلوذ المسؤولون اللبنانيون بالصمت حيال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل التي يقودها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، لكن مؤشرات الساعات الأخيرة توحي بحراك واعد، خصوصاً مع الدخول المباشر للرئيس الأميركي جو بايدن على خط دفع المفاوضات.
ويجزم مصدر لبناني متابع لعملية التفاوض أن الأجواء التفاوضية مختلفة تماماً عما يتم تداوله في الإعلام من أجواء سلبية، موحياً بأن هذه الأجواء استلزمت الانتقال إلى مرحلة البيانات بعد صمت طويل، فصدر أولاً بيان عن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، ثم تصريحات عن أوساط البيت الأبيض، فاتصال أجراه الرئيس بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد عشية اجتماع هوكستين بالمسؤولين الإسرائيليين، وأخيراً بتصريح واضح من بايدن نفسه ينقل الاهتمام إلى قمة هرم الإدارة الأميركية.
ويشير المصدر ل”الشرق الأوسط” إلى أن أزمة الطاقة العالمية والمصالح الأميركية (مع أوروبا) تعني أن الاستقرار في المنطقة مهم جداً، وهذه عوامل أعطت لبنان فرصة للوصول إلى حل يتناسب مع مطالبه، وهو ما يمكن أن يشكل حلاً لأزمات لبنان السياسية والاقتصادية والمالية.
وبحسب “المدن” يتم الحديث عن أن هوكشتاين يعمل على تبادل الرسائل بين المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين لترتيب اقتراحه وتنظيمه وتقديمه. وفي حال لمس أموراً إيجابية يزور الوسيط الأميركي المنطقة؛ أما في حال عدم تحقيق تقدّم فسيكتفي بتبادل الرسائل بشكل مباشر عبر اتصالاته أو من خلال أعضاء من فريق عمله أو حتى عبر الديبلوماسيين العاملين في السفارات.
لا أحد من المسؤولين الرسميين في لبنان أو في اسرائيل يكشف عن مضمون ما يبحثه هوكشتاين معهم، حتى التسريبات الإعلامية، والتي توضع في خانة جسّ النبض، لا تجد من يتبناها، بل على العكس، يكثر نفيها. وهذا جزء من آلية التفاوض التي تحصل في مثل هذه الملفات. وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن هوكشتاين ينتظر الوصول إلى صيغة نهائية مع الإسرائيليين وهذا ما يفترض أن يحصل في الأيام المقبلة، على أن يحملها وينقلها إلى المسؤولين اللبنانيين.
وسط حالة الإنتظار هذه، لا يزال التفاؤل قائماً بالنسبة إلى اللبنانيين ولمسؤولين ديبلوماسيين. يعتبر هؤلاء أن لا شيء يدعو إلى التشاؤم أو إلى اعتبار المفاوضات فشلت أو سقطت. فما يجري معروف ومتوقع. يراهن هؤلاء على أن لا رغبة لأحد بالحرب، وبالتالي فإن مسار التفاوض سيستكمل إلى أن تحين لحظة الوصول إلى تفاهم. ومما لا شك فيه أن الأطراف المتفاوضة قد تلجأ في بعض الأحيان إلى تعزيز موقعها التفاوضي من خلال الإقدام على تنفيذ ضربات أو عمليات أمنية لتعزيز موقعها. وهذا، في كثير من الأحيان، يسرّع العملية التفاوضية ولا يعمل على إيقافها.
بو صعب: ويقول نائب رئيس البرلمان اللبناني إلياس بو صعب، الذي يتولى ملف التواصل مع هوكستين لـ«الشرق الأوسط» إنه يأمل في الحصول على إجابات إسرائيلية خلال الأسبوعين المقبلين، بعد الزخم الأميركي الجديد. ويوضح بو صعب الذي يرفض الخوض في التفاصيل أن لبنان «لا يفرط في التشاؤم ولا في التفاؤل بخصوص هذا الملف، خصوصاً أن الأمور ليست راكدة»، متجنباً إعطاء تفاصيل محددة عن مطالب لبنان وما تقترحه إسرائيل في هذا الخصوص.
ولا يخفي بو صعب سروره بقدرة الجانب اللبناني على وقف التسريبات التي يمكن أن تسيء إلى عملية التفاوض، كما لا يخفي أن الهدف من هذا التكتم هو عدم إحراج الجانب الآخر فيشعر أنه مضطر للتراجع شعبوياً «فنحن نريد أن نأكل العنب لا أن نقتل الناطور، خصوصاً أن في هذا الملف فائدة كبيرة للبنان الغارق في أزماته السياسية والاقتصادية والمالية» وقال: «لمست في الأسبوع الأخير تصعيداً في وتيرة التواصل من قبل الوسيط الأميركي. العمل لم يتوقف قط، والتكتم هو لمصلحة المفاوضات، ونحن ننتظر الآن تقييماً يجريه هوكستين لاجتماعاته مع الإسرائيليين، ليتواصل بعده معي أو يرسل شيئاً خطياً».
وكان مصدر مطلع على أجواء البيت الأبيض أكد أن جهود هوكستين «الصلبة مستمرّة للتوصل إلى خاتمة في مسألة ترسيم الحدود البحرية». وقال: «نحن مستمرّون في تضييق الفجوات بين الطرفين ونعتقد أنّ التسوية الدائمة ممكنة، ونرحّب بالروح التفاوضية العالية التي يظهرها الطرفان للتوصل إلى حل». وأوضح المصدر أن المبعوث هوكستين يتباحث يومياً مع المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين وأبرزهم إلياس بو صعب. وتتواصل السفيرة الأميركية دوروثي شيا أيضاً مع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة ومستشاريهما.
وأكد المصدر أن حلّ الخلاف على الحدود البحرية «يشكّل أولوية أساسية لإدارة الرئيس بايدن ونؤمن أنّ التوصل إلى اتفاق سوف يؤدّي إلى تعزيز الاستقرار الدائم والازدهار الاقتصادي في كلا البلدين».