كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لا يشبه الحراك الحاصل في كواليس الاستحقاق الرئاسي، ذلك الذي شهدته الدورة الماضية التي غرقت في شغور طويل انتهى بانتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد سلسلة تفاهمات سمحت له بعبور خرم التعقيدات والخصومات التي كانت تبعد بينه وبين قصر بعبدا، في لحظة اقليمية – دولية طغى عليها منطق التسليم بمجريات الساحة اللبنانية وتوازناتها المستجدة.
إلى اليوم، لا تزال اللقاءات المعقودة في هذا السياق، فيها الكثير من الخجل، وكأنها جسّ نبض، واستعراض للأسماء والترشيحات خصوصاً وأنّ موازين القوى في مجلس النواب كرّست وجود مجموعة فيتوات وسحبت قدرة المبادرة والحسم من يدّ الاصطفافين.
على ضفّة قوى الثامن من آذار، لا يزال رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية هو المرشّح الأبرز فيما يسعى رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل إلى تكريس نفسه عرّاباً للعهد الجديد. أمّا في المقلب الآخر، فعجقة «مشاريع مرشّحين» وطامحين تجعل من احتمال تفاهم الكتل المعارضة، مستحيلاً. وبين الفريقين، يمشّط موارنة الوسط ذقونهم اعتقاداً منهم أنّها لحظتهم الذهبية، وهنا تبدأ لائحة الأسماء بزياد بارود ولا تنتهي بناجي البستاني.
على الضفّة المعارضة أيضاً، يتريّث رئيس حزب «القوات» سمير جعجع في حسم خياراته ولو أنّه يعتبر نفسه مرشّحاً طبيعياً، لكنه لا يبدي رغبة في تكرار تجربة العام 2016 التي خاضها كمرشّح رسمي نال يومها 48 صوتاً، قبل إبرام تفاهم معراب والتصويت للعماد عون رئيساً للجمهورية.
لكن للنائب ملحم الرياشي وجهة نظر مختلفة. لطالما خرج النائب المتني في طروحاته، من «الصناديق المقفلة»، إلى أفكار تبدو للوهلة الأولى ضرب خيال. ولهذا يقول في دردشة مع مجموعة من الإعلاميين إنّه لا بدّ من خوض معركة جعجع كمرشّح انقاذي يمكنه «ضرب يده على الطاولة» لوقف الانهيار الحاصل وخوض حوار جديّ مع مختلف القوى السياسية على قاعدة النديّة وليس الاستزلام. ويقول: «نعم ثمة مشكلة مع «حزب الله»، ولكن «حزب الله» هو أحد مكونات هذا البلد، والوحيد الذي يستطيع التحدث معه كما يجب أن يتحدث رئيس جمهورية بلا كفوف وبلا أي تنازلات هو جعجع». ويضيف: «في لبنان معادلتان، القوات اللبنانية من جهة و»حزب الله» من جهة اخرى وما يمثله من قوة عسكرية وخارجية واقليمية»، معتبراً أنّ «جعجع قادر على ربط النزاع مع «حزب الله» لأن الرئاسة تنتظر رئيسا لا ينتظر أن يتلقى اتصالا من مسؤول في حزب الله ليقول له ماذا يفعل».
ينطلق الرياشي في مقاربته من مسلمّتين خلص إليهما بعد جولة من اللقاءات والمشاورات التي خاضها مع عدد من النواب المعارضين. أولاً، إنّ الظروف القاسية التي تعيشها البلاد تستدعي الدفع باتجاه انتخاب رئيس قادر ولديه تجربة دولتية، لأنّ الوقت لا يسمح باخضاع الرئاسة لمزيد من التجارب غير المضمونة، و»لا ترف في ظل القرف». ثانياً، إنّ الأسماء المتداولة ولو على نحو غير رسمي للرئاسة لا تستطيع أن تجمع بين معيارين أساسيين للمواصفات، وهي السيادية والإصلاحية. ويُخشى وفق الرياشي أن يؤدي الاستسلام المبكر لمنطق التسويات والخيارات الوسطية، أن يصار إلى الاتفاق على رئيس «يهرّ» عند أول مطب!
ولهذا يقول لا بدّ من خوض معركة ترشيح جعجع ولو أنّه يقرّ أنه لم يُفتاحه بهذا الأمر كما لم يفاتح أياً من أعضاء كتلة «الجمهورية القوية» وهو طرح بمبادرة شخصية منه لقناعته بأنّ «ترشيح جعجع هو للحل وليس لمنافسة فرنجية أو غيره»، مكرراً أنّ «البلد بحاجة إلى جراحة وجعجع قادر على اجرائها. وهو أثبت أنّه رجل دولة، وفي ظروف مماثلة، لا نستعين بالمبتدئين، بل بالخبير».
ولكن كيف يمكن لهذا الترشيح أن يسلك طريق الفوز في ضوء الخصومات التي عزلت «القوات» في المرحلة الأخيرة، سواء مع الثنائي الشيعي أو مع رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري أو مع جبران باسيل أو حتى ومع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي ينادي بالرئيس الوسطي؟
يجيب الرياشي أنّه لا بدّ من الانطلاق من نقطة ثابتة وهي الترشيح ومن ثمّ العمل على إقناع بقية القوى السياسية مشيراً إلى أنّه سيبدأ جولة اتصالات ولقاءات، وسيطلب من جعجع عقد جلسة لتكتل الجمهورية القوية لهذه الغاية، كاشفاً أنّ «المعارضات تعاني من تعددية آرائها ومواقفها وترشيحاتها»، معتبراً أنه «اذا لم تتفق تلك المعارضات على اسم واستمرت على هذا النمط من التعاطي سيُنتخب رئيس من الطرف الثاني».