كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
كان صعباً على العامل أحمد أن يرى مصنع السجاد في بلدة زفتا والذي امضى فيه 23 عاماً يحترق ويتحول رماداً، فقد غادره مع زملائه قبل ساعتين فقط، ليتولى فريق عمال الليل العمل. فالمعمل يعمل 24 ساعة ليتمكن من انجاز «الطلبيات» الا ان الكارثة وقعت قرابة السادسة من مساء الجمعة، حيث اندلع حريق بسبب ماس كهربائي ضرب لوحة الكهرباء العائدة لإحدى الماكينات الجديدة ومنها تمدد الحريق. الا ان الكارثة التي حلَّت بالمعمل ضربت الاقتصاد المحلي وزعزعت استقرار 250 عائلة كانت تعتاش منه، وقد باتت بلا عمل وسط ظروف اقتصادية قاهرة. هذا عدا عن خسارة لبنان المصنع الوحيد لصناعة السجاد الامر الذي سيؤدي حكماً الى اهتزاز الصناعة المحلية.
أكبر معمل لصناعة السجاد في الشرق الاوسط تحول خراباً، عجزت فرق الدفاع المدني عن اخماد ألسنة النيران بسهولة، فالمصنع يحوي موادّ سريعة الاشتعال كالنايلون والخيطان وتحديداً «خيط الجود» سريع الاشتعال.
يقف احمد يراقب ما حل بالمصنع، يبكي بحرقة «كان المصنع بيتنا وحياتنا، تآخينا مع الماكينات، ها هو اليوم تحول خراباً»، ما يقلقه كما كل زملائه ان 250 عاملاً باتوا بلا عمل في بلد منهار اقتصادياً، كان المعمل احد اعمدة الاقتصاد اللبناني، ويعتبر المصنع الوحيد في لبنان لصناعة السجاد والاكبر في الشرق الاوسط، ويضم ماكينات هي الاولى من نوعها. ورغم كل الظروف التي مرّ بها البلد، ظل المصنع الوحيد الذي يصدّر بضاعته الى الخارج، وقبل يومين فقط كان قد صدر «كونتينرين» وكان يعدّ 6 «كونتينرات» للتصدير نهار السبت الماضي، غير ان الحريق كان اسرع واكل الخيطان والماكينات والسجاد، حتى ان جدران المعمل تهاوت بفعل الحرارة المرتفعة، ما ادى الى خسائر بملايين الدولارات تجاوزت وفق المعلومات الـ30 مليون دولار، فالماكينات وحدها يقدر ثمنها بـ12 مليون دولار.
أكثر من ثلاثة ايام استمر الحريق الذي شب بداية في «مخ» المعمل، اي الماكينات يقول مسؤول العمال، لينسحب سريعاً نحو خيطان «الجود» التي تستخدم في صناعة السجاد وتوصف بأنها سريعة الاحتراق، ما اسهم في تمدد الحريق بسرعة.
إستطاع صاحب المعمل حسين قبلان ان يحوّله مركزاً اقتصادياً صناعياً مهماً، ركز على تطوير صناعة السجاد، لم ينتظر يوماً دعم الدولة اللبنانية، فهي لطالما كانت غائبة عن دعم الصناعة المحلية، ولن ينتظر منها الدعم في الكارثة التي حلت بمصنعه، فجوابها كان واضحاً على لسان وزير الصناعة «الله بيعوض عليك». يرفض قبلان استباق التحقيق لمعرفة السبب الحقيقي الكامن خلف الحريق، من دون ان يستبعد فرضية الماس الكهربائي، متمنياً ان يتمكن من اعادة مصنعه الى العمل مجدداً من دون ان يغفل الاشارة الى ان المعمل مجهز بأجهزة اطفاء ولكنها قد لا تكون كافية.
لم تكن المرة الاولى الذي يتعرض فيها المعمل للحريق، قبل حوالى 15 سنة تعرض الى حريق مماثل، يقول العامل احمد، «غير اننا استطعنا اخماده بسرعة، الا ان حريق اليوم كان مختلفاً»، عجز عناصر الدفاع المدني عن اخماده، باءت كل محاولاتهم المضنية بالفشل، فالدفاع المدني غير مجهز لحرائق مماثلة، وهو ما اعاق عملية الاخماد، اضف الى تأخر الجيش اللبناني في ارسال طوافة للاسراع في اطفاء الحريق.
هذا ناهيك عن فقدان المياه والمازوت ما أخّر عملية الاطفاء الى ان تم تأمين المازوت لعدد من ابار بلدة زفتا وايضا لصهاريج المياه التي نقلت المياه الى خزانات الدفاع المدني، وبحسب محافظ النبطية بالوكالة حسن فقيه «خسارتنا معملاً بحجم مصنع السجاد كارثة اقتصادية على الجنوب ولبنان، فهو احترق في وقت نحن بأمس الحاجة فيه للنهوض الاقتصادي».
لم يبق بعد الحريق سوى بعض السجاد وقد عمل العمال على اخراجها، اضافة الى بعض الماكينات، وما عدا ذلك، لم يبق شيء، ولكن السؤال هل السبب هو احتكاك كهربائي ام هناك فرضيات اخرى، احد لا ينكر ان الحريق قد يكون يهدف الى ضرب الاقتصاد المحلي، سيما وانه ليس المصنع الوحيد في الجنوب الذي يحترق، قبل شهر تقريباً احترق معمل الاسفنج في الصرفند في ظروف غامضة، وهو ايضاً كان يضم عدداً كبيراً من العمال، الامر الذي يضعه احد المراقبين في خانة تدمير الاقتصاد الداخلي. احد رجال الاطفاء أكد «ان الحريق كان يتمدد بسرعة هائلة، عجزنا عن السيطرة عليه، وكأن هناك مواد سريعة الاشتعال جداً»، لا يخفي ان المواد الاولية لصناعة السجاد هي من النوع البتروكيمائي، غير انه لا يستبعد فرضية ضرب الاقتصاد تاركاً للتحقيق ان يكشف خبايا احد اخطر الحرائق ضمن بقعة جغرافية مغلقة.
هي كارثة اقتصادية حلت على عمال معمل السجاد الذين وجدوا انفسهم بلا عمل، احترق مصدر عملهم امام اعينهم غير ان وزير العمل مصطفى بيرم الذي عاين مكان الحريق اعلن مساعدته للعمال في توفير فرص موقته لهم ريثما يعود المعمل الى سابق عهده.
وعود بالجملة اطلقها المسؤولون امام اكبر كارثة اقتصادية في المدى المنظور، وعود ربما لن تترجم واقعاً، فلا وزارة الصناعة ستدعم الصناعة والصناعيين ولا وزارة العمل قادرة على توفير فرص عمل في بلد عاطل بمجمله عن العمل.
الحقيقة الوحيدة أن الحريق كشف عجز الدولة في مواكبة الحرائق، يقول احدهم: «الدولة التي تعجز عن اخماد نيران مبنى كيف لها ان تخمد النيران الاقتصادية المشتعلة في البلد»؟