ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة عيد الأضحى من على منبر مسجد الإمام الحسين، في برج البراجنة بعد تأدية صلاة العيد، هذا نصها: “رغم الغصة والمرارة، أقول كل عام وانتم بخير، من باب رفع الشكوى الى الله، بحق من نهب البلد وكشف الناس عن أسوأ انهيار، وكارثة نقدية اقتصادية ما زالت تطحن هيكل البلد، وتسحق اسواقها وبيئته الاجتماعية والاخلاقية. لذلك حين نتحدث عن عيد الأضحى بلسان أهل البيت، فهو يتلخص بالتالي: هو قداسة وراحة يوم موصول بأيام تعب ومجاهدة ومثابرة، يراد لها أن تكون جزءا من هوية المؤمن، وهوية المؤمن في القرآن ومتون الحديث عن أهل بيت العصمة يلخصها الكفاح في طريق الحق وقضاياه، دون كلل أو ملل”.
وتابع: “مراد الله وأهل بيت النبي من الحق: كافة ما تتعلق به مصالح الخلق والناس، وكما أن الصلاة مقرونة بالقضايا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية كذلك العيد، ووظيفة المؤمن لا أن يبكي أو ينهزم، بل أن يكون فاعلا وناشطا في قضايا الحق والعدالة كافة. لذلك لا يجوز أن نجلس في المسجد وهناك من يسرق خبز ناسنا، أو يحتكر أسواقنا، أو يتلاعب بالأسعار والدولار، أو يدير دهاليز حرب الاستنزاف المعيشي الحياتي، ويضرب شعبنا في الصميم، وهنا أؤكد أن وظيفة المسجد والكنيسة أن تكون بصميم حاجات شعبنا وناسنا، لأن المسجد والكنيسة بمفهوم الأنبياء حراس مصالح، ونواة كفاح لا تهدأ ولا تمل”.
وقال: “هنا بالخصوص تتجلى عظمة الامام الحسين وقد ترك الحجَّ ليقف في وجه أعتى وأخطر أمبرطورية جائرة، وبدلا من أن يلبس ثوب الإحرام لبس كفن شهادته، وبدلا من أن يلبي يوم النحر لبى بنحره يوم عاشوراء، وبدلا من ان يكبر والسياسة الاموية تنحر الناس قدم نحره ليكون ميدان اكبر المعارك الحقوقية طيلة الابد. وقياسا على هذا البلد أقول: للأسف الشديد يحل علينا عيد الأضحى المبارك في ظل أسوأ انهيار على الاطلاق، وسط فرحة عيد معدومة، وأناس مكلومة، وشعب غارق بحزن عميق، بلا إغاثة حياتية، وبلا قدرة شرائية، وبلا أمان اجتماعي، وبلا رحمة سياسية، توازيا مع انهيار مخيف بخصوص سيطرة الدولة على الأسواق وخطوط الاستيراد، وجشعِ التجار، فيما الظروف الكارثية تطحن البلد وناسه، وتدفع هذا الوطن المفجوع نحو المجهول. لذلك بصوت مفجوع، وسط شعب تم نهبه، ووطن تم سحقه، ودولة تم تفليسها، أناشد الطبقة السياسية المالية النقدية أن ترحم بقية هذا البلد، لأننا وفقا لمؤشر الكارثة نحن على فوهة بركان، ووفقا لمؤشر الانهيار نحن على وشك الارتطام الأعظم، ووفقا لمؤشر الوطنية نقول: أدركوا هذا الوطن، لأن مخالب السياسة والمال حولته الى دمار وحطام”.
واضاف: “السؤال: هل تعلم الطبقة السياسية المالية أن البلد غارق بالجريمة والطغيان المالي النقدي والفساد الشامل والفقر العابر، وأن المخدرات والدعارة والشذوذ الجنسي والجرائم المالية والجنائية تجتاح كل محافظاته؟ وأن البلد يعاني من كارثة انهيار أسري وبطالة مروعة، وتضخم مسرطن، وفلتان صادم، وكوارث أخلاقية، تماما كتلك التي أصابت بلدة القاع في الصميم، فيما النهم التجاري وشراكة المال والسلطة تنهش بقية عظام هذا البلد. ورغم أن لبنان يغرق بالذهب الأزرق (المياه) إلا أنه يعاني من شح المياه، والناس تتسول في الشوارع، والطاعون المعيشي يكاد لا يترك بيتا من جنازة، فيما زيادة الكلف المعيشية حولت أكثرية شعب لبنان فقراء معدمين، ألا يكفي الفقر والقهر والاذلال على أبواب الأفران؟ والموت على أبواب المستشفيات؟ والقرصنة التي تمارسها المدارس والجامعات؟ والإهمال العارم للجامعة اللبنانية، وتسونامي الجريمة، وفلتان الأسواق، والأسى الشامل لكل الطوائف، ألا يكفي لأن يدفع القوى السياسية للإتفاق على حكومة أولويات حياتية؟ ولو على طريقة حماية اليد اللبنانية العاملة والسلع الاساسية، ونزع أنياب بعض التجار، وكسر جموح سماسرة المال، ودكاكين المطاحن والافران، ومافيا الدولار، علَّ هذا الشعب المنهوب يشعر ببارقة أمل، ألا يكفي هول الكارثة التي تهدد وجود لبنان للاندفاع نحو تشكيل حكومة شجاعة لا تقبل بابتزاز واشنطن والغرب وبعض العرب، عن طريق الموافقة على العرض الصيني والإيراني، ولتضرب واشنطن رأسها بالحائط، ألا يرى المسؤولون ذل واشنطن واوروبا التي تحولت عظمتها وترسانة سلاحها وفيالقها المرتزقة في أوكرانيا الى خزي ومهانة وعار ضمن معادلة بدت فيها واشنطن مجرد تاجر سلاح مهزوم، يريد أن يقاتل بآخر جندي أوكراني وأوروبي وسط ذل شامل يصيب عظمة واشنطن والغرب”.
وقال: “ألا يشجع كلَّ هذا السلطة اللبنانية للتمرد على واشنطن والذهاب نحو خيارات شرقية صينية وروسية وايرانية تعيد تعويم لبنان وتعمل على إنقاذه. لذلك أقول للشعب وبكل صراحة: أيها اللبنانيون المساكين هناك قوى سياسية وزعامات مجنونة تريد أن تبقوا بلا كهرباء، ولا ماء، ولا دواء، ولا استشفاء، ولا إغاثة، ولا فرصة عمل، ولا بارقة أمل، ولا يهمها من موتكم سوى البكاء على أطلالكم، كما لا يهمها من وطنكم إلا الكراسي، وتكاد لا تعرف شيئا عن خبزكم المسروق، وعن طحينكم المباع بالسوق السوداء، ونفطكم المتروك لأنياب تل أبيب، وأسواقكم التي تتناهشها أنياب التجار، وما يهمها فقط حماية عصابات السوق، ومافيا الاحتيال المالي، وأن يبقى البلد بموارده وإمكاناته مجرد آلة لعد النقود، لأن خبز المقابر ليس له ثمن”.
وختم قبلان: “هذا هو العيد اليوم! ولكن اعلموا أنه لا عيد لجبار أو فاسد، أو مجرم مالي، أو نقدي، أو مبتز سياسي، أو محتكر معيشي، ومهما حصل فإن عناصر قوة لبنان كبيرة، ولن تتمكن واشنطن وجماعة إخوة يوسف، وبعض مرتزقة هذا البلد من سحق لبنان، ومن لا يعرف لبنان جيدا عليه أن يقرأ تاريخه بإمعان ووعي وحكمة عله يتعلم من تجارب الماضي”.