كتب علي زين الدين في “الشرق الأوسط”:
يحظى الاجتماع المقرر للجنة المال والموازنة النيابية يوم غد الخميس، باهتمام استثنائي يتعدى النطاق النيابي، ليشمل الأوساط المالية والمصرفية التي تنتظر مداخلات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وما سيدلي به من مقاربات «معدلة» وردود على أسئلة مفصلية، ولا سيما منها ما يتعلق بمندرجات «مذكرة بشأن السياسات الاقتصادية والمالية» كوثيقة مستقلة وملحقة بخطة التعافي الأساسية التي أقرتها الحكومة رغم اعتراضات وزارية، في آخر جلسة لها منتصف الشهر الماضي.
وفي معلومات لـ«الشرق الأوسط» من مصادر متابعة، أن ميقاتي يحمل في جعبته «مفاجآت» تنشد تصويب المنهجية والاقتراحات الواردة في الخطة التي أثارت اعتراضات سياسية واقتصادية، بسبب ما تضمنته من اقتراحات مثيرة بإلقاء الحمل الأكبر من الفجوة المالية على عاتق المودعين والمصارف، في حين كانت الآليات المعتمدة سابقا تفضي إلى شبه تنصل للدولة من موجبات دينها العام الذي يناهز «رقميا» 100 مليار دولار و«شطب» 60 مليار دولار من توظيفات الجهاز المصرفي لدى البنك المركزي.
وينشد ميقاتي، بحسب المصادر، إعادة تكوين قاعدة سياسية واقتصادية صلبة تواكب جهود السلطة التنفيذية للانتقال بملف لبنان لدى صندوق النقد الدولي من الاتفاق الأولي على مستوى الخبراء، والذي تم إبرامه أوائل نيسان الماضي، إلى عرض الاتفاقية بصيغتها النهائية وملحقاتها التشريعية على اجتماعات مجلس محافظي الصندوق وإدارته العليا المزمعة أوائل أيلول المقبل، بما يمكن لبنان من بدء الاستفادة من البرنامج التمويلي المحدد بنحو 3 مليارات دولار لمدة 4 سنوات، والأهم حيازة مفتاح تدفق التزامات الدول والمؤسسات الإقليمية والدولية المانحة.
ووفقا للمعطيات التي تم رصدها، فإن قناعات مستجدة ترتكز إلى تحديد واضح للمسؤوليات عن الخسائر المقدرة بنحو 75 مليار دولار، أفضت إلى تصورات جديدة سيطرحها رئيس الحكومة تتوخى احترام «العدالة» بتوزيع الأعباء، تحت مظلة تشاركية والتخلي تماما عن عبارة «شطب» ومآلاتها تنفيذياً، وبحيث تتوزع الأحمال المالية الرئيسية على ثلاثي الدولة ومصرف لبنان والمصارف.
ويتضمن المسعى تأمين الحماية التامة حتى مستوى 100 ألف دولار من حسابات المودعين ضمن فترة زمنية محددة مسبقاً وتتراوح بين 5 و10 سنوات وفقا للموارد المتاحة، والتخفيف بالحد الأقصى الممكن من الاقتطاع أو إعادة الهيكلة على الشرائح الأعلى وفق مروحة خيارات تشمل إشراك جزء منها كأسهم أو سندات ضمن الأموال الخاصة للبنوك التي ستخضع بدورها لعمليات تصحيح بنيوية.
وتتمدد القناعة المستجدة، وفقا للمصادر، إلى إظهار مرونة في تعامل السلطة التنفيذية مع مقترحات مجدية لتعظيم الموارد من الأصول العامة المملوكة من قبل الدولة والقطاع العام، بما يمكنها من تحقيق التوازن في المالية العامة، وتحقيق فائض يسهم بردم هوة الخسائر الهائلة، وذلك عبر إنشاء صندوق استثماري أو هيئة وطنية لإدارة وتحديث الأنشطة والموارد المالية وصون حقوق القطاع العام وإزالة التعديات عنه، ولا سيما أن معظم الأصول وفي مقدمها الأملاك البحرية والنهرية والعقارية والكثير من المرافق والمؤسسات العامة عقيمة أو قليلة الإنتاجية، كما هي مصنفة عموما تحت خانة «المال السائب» لصالح نافذين وحمايات سياسية وغير سياسية.
وفي موقف مواكب للتوجهات الإيجابية، كرر مجلس إدارة جمعية المصارف أمس موقفه الداعي إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كونه السبيل الأفضل لإعادة هيكلة الاقتصاد وتأهيله من خلال إقرار الإصلاحات الضرورية والشروع بتنفيذها. كما أكد أن توزيع المسؤوليات يجب أن يتم بشكل عادل وقانوني يحمي أموال كافة المودعين بالدرجة الأولى، ذلك أن الدولة التي أنفقت الأموال لديها ما يكفي من الموارد المستقبلية لتغطية مسؤولياتها وذلك من خلال هيكلية تحافظ على أصول الدولة وتحسن إدارتها وتزيد مردودها بما يساهم بحل أزمة المودعين ويصب بالخير العام ويكون خطوة واقعية وبناءة في مسار الإصلاح.
وتستعجل الحكومة إقرار الموازنة استجابة لشرط أساسي التزمته في الاتفاق الأولي مع بعثة الصندوق الدولي، وبهدف تحسين أداء المالية العامة وموارد الخزينة عبر رفع تسعيرة الدولار الجمركي وأكلاف الخدمات العامة والرسوم وسواها، وذلك مع إبداء الاستعداد لتفهم أي تعديلات نيابية في اللجنة والهيئة العامة للمجلس تراعي التطورات المستجدة على المسارين النقدي والمالي، وتنسجم مع موجبات تزايد الاحتياجات المالية للدولة وأجهزتها الوظيفية شبه المعطلة بسبب الإضراب المستمر عن العمل الذي ينفذه العاملون في الإدارات العامة مطالبة بتصحيح المداخيل المتآكلة.