طالب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بـ”الإسراع في تشكيل حكومة وطنية لحاجة البلاد إليها ولكي يتركز الاهتمام فوراً على التحضير لانتخاب رئيس انقاذي للجمهورية ولا يوجد أي سبب وجيه ووطني يحول دون تشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس الجديد”.
ودعا الراعي في عظة الأحد، “لتخصيص الأشهر الـ4 المتبقية من عمر العهد لخفض نسبة الحقد والأعمال البوليسيّة والتخفيف من معاناة الناس وضبط الأمن”. وأضاف: “كم كنّا نتمنى أن المسوؤلين عندنا يتمتعون بذرة من الإيمان لما كنّا نعيش حالة الإنهيار الكامل وكنّا نتمنى لو شاركت شرائح نيابية أوسع في تسمية الرئيس المكلّف”.
على خط آخر، اعتبر البطريرك الراعي أنه “لو حفظ السياسيّون وقادة البلاد عندنا 5 دقائق في يومهم لسماع كلام الله لتصرّفوا بأكثر مسؤوليّة في مواجهة تحدّيات البلاد الراهنة السياسيّة والإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة، ولأظهروا أكثر جديّة في الإستشارات النيابيّة الملزمة، ولتكاتفوا من أجل الإسراع في تشكيل حكومة جديدة تعمل على رفع هذه التحديّات، ولأدركوا أنّهم يحكمون البلاد باسم الشعب لا باسمهم وباسم حساباتهم ومصالحهم”.
كلام الراعي جاء خلال عظة ألقاها في القداس الالهي على تلة القديسة رفقا في حملايا لمناسبة عيد القديسة. وجاء في العظة:
“كم كنّا نتمنّى لو أنّ المسؤولين المدنيّين والسياسيّين عندنا يتمتّعون بذرّة من الإيمان وشجاعة التحدّي الذي يقتضيه، لَما كنّا نعيش في حالة الإنهيار الكامل سياسيًّا واقتصاديًّا وماليًّا ومعيشيًّا واجتماعيًّا.
كنّا نتمنّى لو شاركَت في تسميةِ الرئيسِ المكلَّفِ، أيًّا يكن المسَمّى، شرائحُ نيابيّةٌ أوسَع لتُترجِمَ، بفعلٍ إيجابيٍّ ودستوريٍّ وميثاقيٍّ، الوَكالةَ التي مَنحها إيّاها الشعبُ منذ أسابيع قليلة، لاسيّما أنَّ الاستشاراتِ هي إلزاميّةٌ. هكذا تَشُعرُ جميعُ المكوِّناتِ اللبنانيّةِ أنّها تَتشاركُ في كلِّ الاستحقاقاتِ الدستوريّةِ والوطنيّة. في كلّ حال نَتوجّهُ بالتهنئةِ لدولةِ الرئيسِ نجيب ميقاتي على إعادةِ تكليفِه.وندعو له بالتوفيق.
إنّا من جديد نطالبُ بالإسراعِ في تشكيلِ حكومةٍ وطنيّةٍ لحاجةِ البلادِ إليها، ولكي يتَركّز الاهتمامُ فورًا على التحضيرِ لانتخابِ رئيسٍ انقاذّي للجُمهوريّة. فلا تفسيرَ لأيٍّ تأخيرٍ في التشكيلِ سوى إلهائِنا عن هذا الاستحقاقِ الدستوريّ. لا يوجد أيُّ سببٍ وجيهٍ ووطنيٍّ يَحول دونَ تشكيلِ الحكومةِ وانتخابِ الرئيس الجديد. وفي هذا الإطار، نُناشدُ جميعَ الأطراف بأن تتعاونَ مع الرئيسِ المكلَّف بعيدًا عن شروطٍ لا تَليقُ بهذه المرحلةِ الدقيقة، ولا يتَّسِعُ الوقتُ لها، ولا تُساهِمُ في تعزيزِ الوِحدةِ الوطنيّةِ وصورةِ لبنان أمامَ العالم. ونَنتظرُ من الرئيسِ المكلَّف، بالمقابل، تشكيلَ حكومةٍ على مستوى الأحداث، تُشجِّعُ القوى الوطنيّةَ على المشاركةِ فيها، وتُعزّزُ الشرعيّةَ والنزعةَ السياديّةَ والاستقلاليّةَ في البلاد وتجاه الخارج.
هذه الأشهرُ الأربعةُ الباقيةُ من عمرِ العهدِ، يجب أن تُخصَصَّ لخفضِ نِسبةِ الحِقدِ والانتقامِ والكيديّةِ والمطارداتِ القضائيّةِ البوليسيّةِ التي لم يَألفْها المجتمعُ اللبنانيّ. ويجب أن تُخصَّصَ للتخفيفِ من معاناةِ الناس، لضبطِ الأوضاعِ الأمنيّة، لتحييدِ لبنان، لإحياءِ التحقيقِ القضائيِّ في جريمةِ المرفأ. ويجب أن تُخصَّصَ لتعديلِ خُطّةِ التعافي، لمواصلةِ المفاوضاتِ الحدوديّةِ حولَ النَفطِ والغاز، وخصوصًا لانتخابِ رئيسِ جديد للجُمهوريّةٍ في أقربِ وقتٍ ضَمانًا لوِحدةِ الكِيانِ اللبنانيّ، ولاستمرارِ الشرعيّةِ، واستباقًا لأيِّ محاولةٍ لإحداثِ شُغورٍ رئاسيّ. نحن نرفضه. وضروريٌّ أن يَتضمّنَ برنامجُ الحكومةِ، الجديدة التزامًا واضحًا بهذه القضايا.
يكفي أن نَنظُرَ إلى حالِ الشعبِ اللبنانيِّ لتَستيقظَ الضمائرُ النائمةُ لدى الّذين لديهم ضمير. يَكفي أن نَنظرَ إلى عذاباتِه اليوميّةِ ليرتفعَ المسؤولون إلى مستوى أزْمةِ لبنان، ولتَكُفَ الجماعةُ السياسيّةُ عن العبثِ بمصيرِ الوطن والمواطنين على مذبحِ مصالِحها الفئويّةِ والشخصيّة. إن السياسةَ فنّ نبيل لخدمة الخير العام لا هواية، وهي في الأساسِ اختصاصٌ ورسالةٌ مشرّفة تُحِّتم على كلِّ من يَودُّ ممارستَها أن يَتحلّى بالمسؤوليّةِ والجِديّةِ والنضوجِ والخِبرةِ والإقدامِ وحسنِ التدبيرِ والجرأةِ على إعطاء الأولويّةِ للمواقفِ الوطنيّة على ما عداها، خصوصًا في هذا الوقتِ العصيب. فكلُّ المعالجاتِ لأزَماتِنا تبقى محدودةَ الفائدةِ ما لم نَطرح القضيّةَ الوطنيّة بكل أبعادِها من دون خوفٍ أو عُقدةٍ أو حَيْرة. إذا عجز السياسيّون، على ما يظهر، فإنّا ننادي من جديد بمؤتمر دوليّ خاص بلبنان لمعالجة مرضه بعد تشخيصه بجرأة وشجاعة.
نسأل الله أن يجعل من يوبيل رابطة كاريتاس-لبنان موسم خير وبركة متزايدين، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة لبنان، والطوباويّ “أبونا يعقوب” إبن وطننا. وبفيض من الإيمان بكلمة الله نرفع نشيد المجد والشكر للثالوث القدّوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.