كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
منذ أكثر من أسبوع وقّع مصرف الإسكان مذكّرة تفاهم مع «المركز اللبناني لحفظ الطاقة» بهدف «دَعم آلية مَنح قروض الطاقة الشمسيّة على المستوى الفني والتقني، لضمان تركيب أنظمة طاقة عالية الجودة بشكلٍ يمنح الأفراد ذوي الدخل المحدود والمتوسط إمكانية الحصول على كهرباء مستدامة بأسعار مقبولة»، وفق ما جاء في البيان الرسمي.
في الواقع، كان يفترض أن تكون الطاقة المتجددة، ومنذ سنوات، خياراً أساسياً بالنسبة إلى اللبنانيين لإنتاج الطاقة، لا ملجأ للهروب من العتمة الشاملة التي صارت على الأبواب بفعل انهيار الهيكل على رؤوسهم، بعدما عجزت المنظومة، عن سابق إصرار وتصميم، عن معالجة أكثر الملفات حيوية وهدراً للمال العام. إلّا أنّه يبدو، أنّ المعالجات المستجدة والتي اضطرّوا إلى الاستعانة بها بمبادرات فردية، دخلت بازار المنافع السياسية والمحسوبيات.
لا بدّ من الإشارة أولاً إلى أنّ هذه الحلول المقدّمة تحت عنوان قروض ميسّرة، فيها الكثير من الجانب الدعائي وليست حلولاً عملية تخرج قطاع الكهرباء من الدوامة المقفلة العالق فيها منذ عقود. لا بل تزيد من حالة الفوضى الاجتماعية كونها ترتبط بمبادرات فردية غير مضبوطة، خصوصاً أنّ الآلية الموضوعة تشوبها الالتباسات حول جدوى معاييرها وأهميتها وخلفياتها، كما يؤكد أحد الخبراء المعنيين.
ويشير إلى أنّه كان من الأجدى أن تكون أولوية القروض التي ستعطى في هذا المجال، للقطاع الصناعي بغية تحفيزه ومساعدته على الصمود والحؤول دون ضياع مئات فرص العمل، كذلك للقطاع الصحي بعدما صار السواد الأعظم من اللبنانيين في مهب الريح بسبب ارتفاع كلفة الاستشفاء ربطاً بفاتورة الطاقة مقابل إفلاس الصناديق الضامنة. كذلك الأمر بالنسبة إلى مؤسسات المياه التي تعاني انقطاع التيار الكهربائي وعدم القدرة على شراء المازوت لتأمين المياه للبنانيين، ولو أنّ القانون يمنع هذه المؤسسات من طلب القروض المالية بكونها مؤسسات عامة، ولكن يمكن في هذا الظرف الاستثنائي السماح لها بهذه الخطوة لتأمين ديمومة عملها وتأمين المياه للمواطنين، خصوصاً أنّ رفع التعرفة يساعدها على تسديد هذه القروض.
السؤال الأهم: لماذا مُنِح «المركز اللبناني لحفظ الطاقة» حصرية وضع معايير هذه الآلية والإشراف عليها؟
فـ»المركز» هو عبارة عن جمعية لا صفة رسمية لها ولا صلاحية معطاة لها في القوانين وفي الأنظمة النافذة، ولا وجود لها ضمن الهيكلية التنظيمية والإدارية لوزارة الطاقة والمياه. وهي «متهمة» وفق بعض المتابعين، بانتحال الصفة الرسمية من خلال معالجتها طلبات ذات طابع رسمي وتتعلق بإعطاء المواطنين الإذن أو الموافقة على تركيب أنظمة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، ومن خلال قيامها بواسطة عاملين لديها لا يخضعون للمساءلة أو المحاسبة في حال الإهمال أو المخالفة، كونهم لا يرتبطون بأي علاقة وظيفية بوزارة الطاقة والمياه، بإعداد الاجراءات الادارية للموافقة، من بينها تحضير مشاريع كُتب الموافقة على تركيب أنظمة الطاقة ممهورة بتوقيع وزير الطاقة والمياه والموجّهة الى وزارة الداخلية، الأمر الذي يُفقد تلك الكتب الشرعية القانونية الكاملة كون الجهة التي قامت بإعدادها واقتراح الموافقة بشأنها هي جهة غير رسمية.
لكنّ «المركز» هو في الواقع نقطة التقاء مصلحيّ بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» على الرغم من الخلاف السياسي بينهما، وأعطِي صلاحيات لم تعط لأي إدارة في وزارة الطاقة بحجة الاختصاص، حيث يقوم بتحديد المواصفات التي يفترض بأي شركة مستوردة لمعدات إنتاج الطاقة الشمسية أن تلتزم بها، كي تتطابق المعدات المستوردة من جانبها مع شروط طلبات القروض، مع العلم أنّ القانون يعطي «ليبنور» هذه الصلاحية، وهي مؤسسة عامة ترتبط بوزارة الصناعة وتتولّى «وحدها وضع المقاييس والمواصفات الوطنية ونشرها وتعديلها ومنح حق استعمال شارة المطابقة للمقاييس والمواصفات».
وبالتالي إنّ صلاحية وضع المقاييس، الإلزامية التي عادة ما تصدر بمراسيم، وغير الإلزامية أي الاختيارية، تعود حصراً إلى هذه المؤسسة لا سواها، ما يعني أنّ منح «المركز» هذا الحق هو تجاوز للقانون. وسبق لـ»ليبنور» أن وضعت سلسلة مواصفات إلزامية لاستيراد كل المعدات المتصلة بإنتاج الطاقة الشمسية، وبالتالي إنّ حجة «المركز» بوضع مواصفات لآلية القروض المالية، لمنع استيراد معدات ذات جودة منخفصة غير مبررة، وإلا، فلتبادر «ليبنور» إلى تعديل المواصفات الإلزامية الموضوعة من جانبها، أو مساءلة الجمارك عن أسباب السماح بإدخال معدات غير مطابقة.
بالنتيجة يقول الخبراء، هذه الآلية في غير مكانها لأنّها تفرض شروطاً غير مبررة قد تجعل هذه السوق حكراً على بعض الشركات المحظية التي تنال موافقة «المركز» كي يسلك القرض مساره إلى التنفيذ، فضلاً عن ذلك فإنّ المادة 26 من قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462 تنصّ على أنّه «لا يخضع إنشاء تجهيزات إنتاج للاستعمال الخاص بقوة تقل عن 1,5 ميغاوات لشرط الإذن، على أن تراعى مقتضيات البيئة والصحة العامة والسلامة العامة، وذلك بناء لمعايير محددة تصدر بقرارات عن الهيئة بعد استطلاع رأي وزارة البيئة والإدارات والمؤسسات المعنية»، كما أنّ التنظيم المدني وضع مقاييس محددة لتركيب المعدات وارتفاعها فيما «ليبنور» وضعت المواصفات الفنية للأجهزة، فلماذا إدخال «المركز» ومنحه صلاحيات استثنائية من باب قروض مصرف الإسكان؟