النص الاخير للناشط المغفور له “فيصل صفير”

جاء في موقع الخندق التالي:

هذا النص، هو من آخر النصوص التي كتبها الصديق “فيصل صفير” الثائر في ساحات الحراك اللبناني (ثورة 17 تشرين 2019)، وأحد أبرز ناشطي الحراك، قبيل وفاته. قد يُقال أن فيصل مات منتحراً، وقد يُقال أنه قُتل

ملاحظة من فريق التحرير: هذا النص، هو من آخر النصوص التي كتبها الصديق “فيصل صفير” الثائر في ساحات الحراك اللبناني (ثورة 17 تشرين 2019)، وأحد أبرز ناشطي الحراك، قبيل وفاته. قد يُقال أن فيصل مات منتحراً، وقد يُقال أنه قُتل. ليس هذا ما يعنينا في “الخندق”. ما يعنينا في هذا المقام نشر نصه الذي أراد منا نشره يوماً ما في “الخندق”. وشاءت الصدف والأقدار ألا يُنشر إلى اليوم. فيصل صفير حلم من أحلام “ثورة 17 تشرين”. فيصل صفير صوت من أصواتها الصادقة. والنص هذا بلاغ للعالم يصلح لأن يكون مسودة عمل ثورية، نأمل نحن (فريق الخندق)، ويأمل هو، الحاضر فينا رغم غيابه، أن نبلغها واقعاً يوماً ما وعما قريب.

في التالي، نص الصديق الحي أبداً فيصل صفير.

لماذا نناضل؟

لم يعد لهذا العالم معنى. إنه ممتلئ بسيولة الأحلام الواهمة. تعيش الأغلبية في هذا المجتمع مفهوماً زائفاً عن السعادة. الكل يركض بلا جدوى ولا مساحة للفرح عند أيٍّ منا. الكل يبحث عن خلاصه الفردي فيمشي بالقرب من الحائط، “يبوس اليد ويدعي عليها بالكسر” من خشيته وخوفه. المشكلة ليست لبنانية فحسب، إنها مشكلة نظام عالمي بأسره. إنها مشكلة عالمية. والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحفر قبره بيده ويحثّ السير إلى فنائه.

يظلم النظام العالمي الأغلبية من أجل أقلية متنفّذة. يتسبّب هذا النظام العالمي بانقراض كائنات، ويقتل أولاد أفريقيا جوعاً. لمَ؟ من أجل الحفاظ على ديمومة الإنتاج والإستهلاك.

لقد أصبحنا عالقين في نظام لا نفهمه. لقد صرنا أسرى واقع مقيت وسائل. كل شيء سائل؛ العلاقات البشرية، العلاقات العائلية، العلاقات العاطفية، الأخلاق، العقيدة، العلاقة مع الله سائلة. كل هذه السيولة لا تنتج إلا إنساناً مستلباً، مستحمَراً مسخاً يصرخ بكل فخر “أنا ومن بعدي الطوفان”.

إن نضالنا من أجل كسر هذه المنظومة، هو نضال من أجل كسر هذا “التسييل” ليعود الإنسان القيمة الأسمى. نحن نناضل لتكون الطبابة شاملة، ويكون التعليم والسكن حقاً لا حكراً. نحن نناضل من أجل بناء نظام جديد يؤتمن على الأرض وكائناتها. نناضل حتى نملأ الكون ضجيجاً يمنع الكون من أن ينام بثقله على المظلوم. نحن نناضل لكي نملأ الكون ضجيجاً يوقظ المظلوم. نناضل من أجل حقوق المظلومين. نناضل من أجل طفل يبكي جوعاً، نناضل من أجل كل عجوز يموت جوعاً خلف باب مقفل. نناضل لأجل كل شاب غير قادر أن يتزوج من يحب. نناضل لكي لا يعيش طفل منكسر العينين ولكي لا يعيش طغاة الكون مرتاحين.

نحن نناضل من أجل واقع جديد قائم على الأخوّة والقيم والأخلاق. تكون فيه المصلحة الجماعية هي الأساس. واقع يخلو من الجوع. الطبابة فيه مجانية. التعليم فيه مجاني. السكن فيه حق. ويحُاسب فيه الفاسد كالعميل. نريد واقعاً فيه وطن سيّد. نريد دولة تحارب الظلم من الداخل وفي الخارج. ومن أجل كل ذلك نناضل. نناضل من أجل السعادة. السعادة عبور للذات نحو “ذات اجتماعية” تكسر يد كل ظالم، السعادة عبور للذات من أجل الانتصار على كل استلاب بنته الدعاية السائلة. السعادة ذات تثور على الظلم وتحاسب الفاسد وتنتصر للمظلوم. نناضل من أجل حلم جميل، سيصبح الواقع غداً.

توضح التجارب التاريخية المختلفة أن الواقع شديد المرونة، وأن الحدود بين الواقع والمتخيَّل شديدة الهشاشة. ومع ذلك، فالمستحيل اليوم هو الممكن غداً. لقد تحدّثنا كثيراً عن “ثورة الذات”، وهذا هو الأساس. يجب أن نفهم جوهر ذاتنا الممتد إلى “المسيح” المحطم لممتلكات تجار الهيكل. ويجب أن نفهم جوهر ذاتنا الممتد إلى “محمّد” في “حلف الفضول”. ويجب أن نفهم جوهر ذاتنا الممتد إلى “عليّ” محارب الجوع. هي ذات الحسين الذي ثار على الظلم. والعودة إلى تلك الذات الإنسانية المناهضة للظلم، المحترقة عشقاً، والثائرة من عمق فطرتها على كل ظلم، هي الأصل.

علينا أن نتذكر أننا امتداد لثورة هؤلاء المغدورة ضد استعباد الإنسان واستغلاله. علينا أن نتذكر أنن ثورة شاملة لنصرة المظلوم. علينا أن نتأمل هذه الحقيقة، وأن نملأ روحنا عشقاً كي ننفجر بركاناً بوجه شياطين هذا الزمان. إن الذات الثورية عاشقة، متواضعة، محبة، صادقة؛ تحب بصدق وتثور بصدق، تسمع هموم الناس وتؤمن بالخلاص الجماعي.

إن أساس التغيير هي هذه الذات التي من دونها لا وجود لشيء. لذلك، على هذه الذات أن تُبنى قبل كل شيء لكي تبني ثقافة الحياة وتخوض حرباً ثقافية شاملة مع ثقافة الموت. نحن نحب الحياة لدرجة الشهادة ونموت من أجل هذه الثقافة بدل أن نحيى بموتها.

ما هو شكل النظام الذي نريده؟

يبيع الإنسان الجبان منا نفسه من أجل المتخيَّل من مصلحته الفردية؛ من أجل فتات خبز. وهذا الإنسان هو بالضبط من أنتج المنظومة اللبنانية الكريهة التي تقتل أغلبية الشعب فداءً لأقليته. المرحلة القادمة صعبة جداً وسيختلط “الحابل فيها بالنابل”. كثير من الأحزاب السياسية ستصطاد في الماء العكر. ونحن لن نقبل بأن تتحول الثورة لحصان تمتطيه الأحزاب. لن نسمح بغدر أو استغلال الثورة.

نحن نريد نظاماً يؤمّن السعادة! نريد نظاماً يحفظ كرامة الإنسان اللبناني. نريد نظاملً يؤمّن حاجات الشعب ويفتح مجال الإبداع. نظامٌ يقوم على مجانية الطبابة والتعليم. نظام يفرض على النوّاب والمسؤولين أن يعلموا أولادهم في الجامعات والمدارس الرسمية لكي يقطفوا ما زرعوا. نريد سياسة إسكان، ونقل مشترك، ونريد دعم الخبز. بالمختصر، نريد أن تكون جميع الحاجات الأساسية مؤمَّنة كي يتمكن الإنسان من تجاوز ذاته. وعلى ذلك فليتوكل المتوكلون.

فيصل صفير: 12 نيسان 2020

شاهد أيضاً

جميل السيد يعلّق على تفتيش هوكستين… والسيادة تُشعل التصفيق!

كتب النائب جميل السيد عبر منصة “اكس”: ‏وأخيراً وصل هوكشتين صباح اليوم… وهنالك شبه إجماع …