في أول تصريح له بعد الاستحقاق النيابي اللبناني، قال رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي”، وليد جنبلاط، إنه كان وحده في المعركة الانتخابية التي خاضها في الجبل، و”لم يخذلني الوطنيون في الجبل”. واعتبر أن “حزب الله” وحلفاءه “فقدوا الأغلبية، والسؤال الآن كيف ستتصرف الأغلبية بعد تشكلها؟”. ودعا إلى أن “يكون ردّنا فوق العصبيات المناطقية والحزبية”. وأوضح جنبلاط في حديث لـ”اندبندنت عربية” قيّم فيه نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية، أنه “لا مشكلة” لديه مع تصويت بعض القاعدة الدرزية لمصلحة النواب التغييريين، و”الذي لا يعرف كيف يتأقلم سيخسر”، لكنه سأل عن برنامجهم.
وانتقد جنبلاط تصريحات التخوين التي أدلى بها رئيس كتلة نواب “حزب الله”، النائب محمد رعد، حيال الخصوم، مجدداً المطالبة بإقرار الاستراتيجية الدفاعية في ما يخص سلاح “حزب الله” و”المقاومة”. واعتبر أنه “لا إصلاح بلا سيادة”.
وسُئل: “هل لبى الجبل النداء الذي أطلقته في آخر خطاب اعتبرت فيه أنك على مشارف اغتيال سياسي جديد، الدعوة إلى “رد الهجمة عبر صناديق الاقتراع لمنع التطوع والتبعية والذل”؟ أم تجاوبوا جزئياً؟ يعتبر جنبلاط أنه “على مدى 45 عاماً حين تسلمت المهمة السياسية يوم اغتيال كمال جنبلاط في 16 مارس (آذار) 1977، واليوم في 2022 مع فارق بضعة أشهر، لم أخذل، ولم يخذلني الوطنيون في الجبل، وبنو معروف، نتيجة ما أسهم فيه الحزب التقدمي الاشتراكي في الحرب والسلم. إنهم أخلص الناس”.
ويضيف: “كي تكون الأمور واضحة، صحيح أنه في الماضي كانت هناك الحركة الوطنية، والغطاء العربي، ثم تلاقينا مع التحالف الوطني اللبناني الفلسطيني، إلا أنه اليوم ليست هناك الحركة الوطنية، ولا تحالف وطنياً فلسطينياً. وآنذاك، كان هناك بُعد سوري عربي وسوفياتي كبير. أما اليوم فكنت وحدي، لكن كما صمدنا في عام 77 عندما أرادوا القول انتهى آل جنبلاط ومعهم بنو معروف، الشيء نفسه حصل سياسياً، وصمدنا، وكان صوت الجبل مرجحاً”.
لرد موحد فوق العصبيات المناطقية والحزبية
وعما إذا كان ما سمّاه اغتيالاً سياسياً ومحاولات الإلغاء التي اتهم بها “حزب الله” وسوريا وإيران، انتهى بحصول الانتخابات، يرى رئيس “الاشتراكي” أن “حزب الله” وحلفاءه فقدوا الأغلبية. “والسؤال الآن كيف ستتصرف الأغلبية، بعد تشكلها؟ ففي صفّنا تقييمات مختلفة ربما، ويجب ألا تأخذنا نشوة النصر، وأن ننتبه إلى أن يكون ردنا موحداً وعقلانياً فوق العصبيات المناطقية والحزبية من كل نوع. وأنا هنا لا أستطيع أن أتحدث (بالنيابة) عن الذين أسقطوا أغلبية المحور الإيراني – السوري، ومنهم المنتفضون والمجتمع المدني وأحزاب كـ(القوات)، وغيرها، ومستقلون. فلا بد من معرفة برنامجهم”.
ويلاحظ جنبلاط “كم هي صعبة الحياة السياسية اليوم في لبنان، عندما ترى مدينة عريقة، مثل بيروت، مغيبة إلى حد ما، وطرابلس منهارة، على غير تاريخهما الوطني والعربي”. واستثنى جنبلاط صيدا من هذا التقييم.
“سأبقي على صداقتي الشخصية مع الحريري”
وبسؤاله عما إذا اقترع حليفه تيار “المستقبل” (الذي عزف عن المشاركة في الانتخابات) إلى جانبه في دائرة الشوف. يقول جنبلاط، “بصراحة، سبق أن اتصلت قبل الانتخابات بزهاء شهر ونصف الشهر، بالشيخ سعد الحريري، وقلت له إننا على مشارف اغتيال سياسي جديد في المختارة، وطلبت المساعدة. وبصراحة، وإن كنت أتفهم ظروف سعد الحريري بالانكفاء، لكن لم يأتني جواب واضح…”.
وفيما اعتبر الحريري أن الانتخابات أثبتت أن قراره كان صائباً لأنه أفسح المجال لظهور التغييريين والشباب، فإن جنبلاط لا يوافق “بالمطلق على هذا الرأي. ولا أريد أن أعلق كي لا ندخل في سجال، وسأبقى على صداقتي الشخصية مع سعد الحريري. التغييريون أتوا من دون جميلة أحد، ولم أطلع بعد على جميع النتائج والخريطة السياسية لوجودهم، من منطقة الشوف إلى الجنوب والمناطق اللبنانية كافة”.
الدعم العربي ورياح التغيير
وإزاء اتهام حزبه مع غيره من الأفرقاء بتلقي دعم من دول غربية وعربية ومنها دول خليجية. يقول جنبلاط: “نعم. وقفت السعودية معنا سياسياً، وما المشكلة؟ في الذكرى الخمسين لمدرسة العرفان في 7 مايو (أيار) وأمام حشد من 20 إلى 30 ألف مواطن غالبيتهم من بني معروف، كان هناك حضور عربي، سعودي وكويتي ومصري وقطري وعماني وأردني. وما العيب؟ كأن هذا سر. نحن عرب الهوية والانتماء. الفريق الآخر من يحميه؟ إيران وسوريا. أما بعض التنوع من الانتفاضة أو المجتمع المدني، فليس شغلي أن أقيّمهم في انتظار برنامجهم، وأخيراً لم أسمع بدعم غربي”.
وعن تفسيره لتقارير إعلامية عن عدم التزام حزبه التصويت للمرشح الدرزي التوافقي (على لائحة “حزب الله” وحركة “أمل” في دائرة الجنوب الثالثة في مرجعيون حاصبيا النبطية وبنت جبيل) على الرغم من الاتفاق مع الرئيس نبيه بري على ذلك، يرد جنبلاط: “التزم 25 في المئة من الأصوات. نعم، لكن أتفهم أن باقي الرفاق والمناصرين لم يلتزموا لسبب بسيط، هو أن ذيول حادثة بلدة شويا (القرية الدرزية التي اعترض بعض أهاليها على أن تطلق راجمة تابعة لـ”حزب الله” صواريخ على مواقع إسرائيلية من محيطها، صيف 2021) ما زالت موجودة. إضافة إلى ذلك هم لا يريدون في كل مرة أن يصوتوا لمرشح تسوية. ولذلك هناك أيضاً رياح تغيير في الوسط الدرزي، كما أن هناك رياح تغيير في الوسط الشيعي وغير الوسط الشيعي. وعليّ أن أدرس أيضاً رياح التغيير هذه”.
“نحن أقلية في المنظومة وسنكمل تجديد الحزب”
وعما إذا كان جنبلاط فوجئ بحصول رياح التغيير (لوائح المجتمع المدني والانتفاضة) على 14-15 مقعداً بنتيجة الانتخابات، يؤكد أنه لم يُفاجأ، “وفي الوقت نفسه كنت من الذين يسألون ما هو البرنامج السياسي لهؤلاء، غير شعار كلن يعني كلن؟ وإذا كان برنامجهم هو نغمة تخوين منظومة السلطة، فلم نكن نحن المفتاح الأساسي في منظومة السلطة، التي كان يمسك بها الآخرون. كنا إحدى الأقليات في هذه المنظومة. وبعض من نجح من خلال التغييريين تاريخه كله في منظومة السلطة”.
وفي ما يتعلق بدلالات نجاح مرشحين من التغييريين أجاب: “هذه مهمتي في الحزب. وهنا كنت بدأت قبل 3 سنوات بحركة التغيير، لكن جاءت موجة (كوفيد) ثم الانهيار الاقتصادي، ولم أستطع أن أستكمل الطريق. مع تيمور سنكمل الطريق ومواصلة عملية التغيير والتجديد في الحزب الاشتراكي”.
وفي سؤال حول إذا ما كان يرى أن الاقتراع من قبل القاعدة الدرزية للتغييريين إنذار للزعامات التقليدية والعائلية؟ يجيب زعيم المختارة بأنه “لا مشكلة لديّ، والشخص الذي لا يعرف كيف يتأقلم سيخسر. تصفني بالتقليدي وأنا نعم تقليدي بالنسب، لكن أعتقد أنه طوال عمري كنت ثائراً ورافضاً هذا النظام السياسي، كما كان كمال جنبلاط. ومع الموجة الجديدة يجب أن أتعاطى مع نفسي ومع الحزب، أي استكمال إصلاح البيت الداخلي ووضع أسس جديدة تنظيمية وفكرية للعمل، بالتعاون مع تيمور”.
ويحدد جنبلاط عدد نواب كتلة “اللقاء الديمقراطي” بثمانية، بينهم النائب المنتخب عن قضاء عاليه راجي السعد كمستقل وحليف. وعن التحالف مع حزب “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وغيرها من الأحزاب، يوضح، “كنا و(القوات اللبنانية) على اللائحة نفسها والشعار نفسه، لكن في تبادل الأصوات كل حزب صوت لصالحه، بفعل قانون الانتخاب الذي يسمونه نسبياً، في حين أنه طائفي إلى أقصى حد. وبالأساس ليس هناك تعاون مع الكتائب لأن الأستاذ سامي الجميل يعتبر نفسه من الثوار، وأنه لم يكن أساساً من منظومة الحكم، وهذا أمر غريب. المطلوب عقلنة الخطاب السياسي كي لا ندخل في العصبيات المناطقية والطائفية، وأن نضع أسساً عريضة لفريق الأغلبية الجديد”.
المصدر: اندبندنت عربية