كتب رمال جوني في نداء الوطن:
أهلاً بكم في جمهورية «الحرامية»، لا عجب في ان تتحول هذه الجمهورية حديث الناس، فداخلها يتحكّم دستور النهب والسرقة ويسودها نظام الفلتان الامني، والمواطن ضحية، فهو الحلقة الاضعف، فليس مستغرباً ان يتفاوض مع السارق لاستعادة اغراضه، وليس بعيداً ان يكون للحرامي سند سياسي.
وكأننا نعيش كابوساً مأسوياً، ينام المواطن على سرقة ويستفيق على اخرى، والمسروقات تباع بـ»الفريش دولار». صدقوا فإنكم في جمهورية الفلتان الامني، مئات السرقات اليومية تسجل من دون رادع، ولا صوت يعلو فوق صوت السرقة والسلب، تحولت السرقات «شربة مي» سهلة المنال، جرة غاز، درابزين، منازل، خزانات، اطارات وكل ما تقع اليد عليه، فالازمة المستفحلة أباحت السرقة، ومعظم السرقات «اهلية بمحلية».
فبحسب مصدر امني، فـ»إن اكثر من مئتي سرقة متنوعة تسجل في منطقة النبطية يومياً، بين سرقة منازل ومحال وسيارات ونشل افراد، ومعظم السرقات تتم من جار لجاره، اي اهلية بمحلية»، لافتاً الى ان عدداً كبيراً منها لا يسجل ضمن محضر ضبط، اذ يفضّل الجار عدم الادعاء على جاره لسرقة جرة غاز او حديد وغيرها»، مؤكداً ان «موجه السرقات المتصاعدة تنذر بكارثة حقيقية، وتفتح النوافذ على تفلت امني خطير، بحيث قد يضطر المواطن لاستعمال السلاح دفاعاً عن منزله، وهذا بحد ذاته خطر جداً».
لم تستوعب الدكتورة جنان حامد سرقة منزلها، فالسارق «قش» الاخضر واليابس منه، حتى كوب المياه سرقه، في تأكيد على ان السرقة تحولت تجارة «بالحرام» في هذه البلد، وقد نشطت أخيراً طالما ان السارق يجد «البوَر» او محال الخردة لبيع مسروقاته بلا رقيب او حسيب.
ليست جنان وحدها من سرق منزلها، فأيضاً منزل محمد في النبطية ويقع ضمن مبنى سكني، جميع شققه مسكونة، دخل الحرامية المنزل وقصّوا حتى الحديد، وكان لافتاً أن احداً من سكان المبنى لم يلاحظ الامر، إذ تشير المعلومات الأمنية الى ان السارقين يستعملون ادوات حديثة لا تصدر صوتاً، يقصون ويفكون كل شيء بثوان، وهو امر يتوقف عنده مراقبون كثر، فالسرقات تتزايد بشكل باتت ترعب الناس وتشل حركتهم، فالكل يعيش حالة قلق من الاسوأ، حتى أنها غطت على المشهد الانتخابي، الغائب حالياً عن هموم الناس التي تريد امناً وأماناً اكثر من حاجتها لشيء آخر.
ما زال مشهد مطاردة «رابيد» لآخر ماثلاً امام اذهان اهالي دير الزهراني وزفتا والمحيط ليل الاثنين ـ الثلاثاء، فالحرامية دخلوا محلاً في دير الزهراني وسرقوا، فاكتشفهم اصحابه ولاحقوا رابيد «الحرامية» من دير الزهراني حتى زفتا، حيث اصطدم رابيد الحرامية بأحد المنازل فألقي القبض على سارق وفر آخر.
غير ان ما يستغربه الناس هو عدم كشف هويات السارقين، رغم معرفة الاجهزة الامنية كافة بهم، فالحرامية باتوا معروفين، بل احياناً يضطر المواطن للتفاوض معهم لاستعادة ما سرق منه، في تأكيد فاضح انهم يتحكمون بالساحة، على حد قول سلوى التي تعرض منزلها لسرقة خزان ومولد كهرباء وكل الحنفيات فيه، وبعد البحث حصلت على رقم السارق كما تقول: «تواصلت معه واصبح يريد نصف ثمنها لاعادتها قبل ان يحملها لبيعها في محال الخردة».
تستغرب سلوى ما آلت اليه الامور داخل قرى النبطية، ففلتان الوضع دخل نفقاً مجهولاً، ويستدعي تدخلاً سريعاً، قبل ان يقتل أحد السارقين مواطناً هنا او سيدة عجوزاً هناك».
لا تتوقف السرقات هنا، فالحرامية يبتكرون اساليب ذكية جديدة، وعادة ما يعتمدون رصد منازل المواطنين عبر امتهانهم لعمل «نبش المزابل»، إذ تشير معلومات امنية الى ان عدداً لا بأس به من الحرامية هم من نباشي المزابل، بعضهم من التابعية السورية، يستغلون ازمة النفايات وينبشون المزابل في الطرقات وقرب المنازل، وبعضهم حولها، لرصد المنازل قبل السرقة».
وما يثير الريبة ان عدداً من الحرامية محميون من جهات نافذة لها سلطتها على القوى الامنية، وما هو مستغرب كيف لا تكشف القوى الامنية هويات السارقين من اصحاب محال الخردة، الذين يشترون البضائع منهم بالدولار، دون ان تغفل الاشارة الى ان هناك تجاراً كباراً يستفيدون من السرقات، فمثلاً قوارير الغاز يشترونها منهم بأسعار رخيصة ويعيدون بيعها للناس، وحتى اجهزة الانترنت وغيرها. بالمحصلة، الوضع يتطلب تدخلاً سريعاً لمعالجته قبل فوات الاوان.