كتب مايز عبيد في نداء الوطن:
تنشط عمليات الهجرة غير الشرعية عبر البحر، باتجاه أوروبا وقبرص وتركيا، منذ العام 2015 وقبله. غير أن وتيرتها اشتدّت في السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تعصف بلبنان. ولأن الشمال ولا سيما طرابلس وعكار أكثر منطقتين محرومتين من خدمات الدولة فقد تأثّرتا بشكل كبير بالأوضاع الإقتصادية والإنهيار الحاصل على جميع المستويات.
الوضع الإقتصادي وما تعيشه العائلات من مآس في طرابلس لا يمكن وصفه، إزاء ذلك فإن عائلات راحت تبيع أثاث منزلها وهناك من يبيع منزله حتى أو سيارته أو يرهن ما لديه، من أجل تأمين تكاليف رحلة هجرة بحرية ستقوده بساعات من لبنان إلى أوروبا مع عائلته. والواقع أن الهجرة لم تهدأ منذ فترة ما بعد ثورة 17 تشرين إلى الآن. قضية غرق زورق الموت السبت الفائت أعادت تسليط الضوء من جديد على ظاهرة الهجرة غير الشرعية. فهذا ليس أول مركب أو زورق يحمل لبنانيين وغير لبنانيين إلى أوروبا انطلاقًا من المياه البحرية لا سيما من الشمال، لكنّ المفارقة هذه المرة أن المركب قد غرق بمن فيه ولم يكتب له كغيره النجاة والوصول إلى الهدف المنشود ولذلك أثيرت كل هذه الضجة حوله وحول القضية. فقد علمت «نداء الوطن» إنه «في نفس الليلة التي انطلق فيها الزورق الغارق، كان هناك زورق آخر قد انطلق إلى أوروبا وواصل رحلته ووصل إلى وجهته بنجاح، وأن زورقًا آخر كان من المفترض أن ينطلق يوم الأحد من قبالة الميناء، في عمليات تهريب الأشخاص من مناطق الشمال لا سيما من طرابلس وعكار التي تحصل بشكل مستمر ويكاد لا يمر يوم إلا ويخرج مركب. وحركة مراكب الهجرة كانت هدأت بعض الشيء قبل أشهر عندما اثيرت ضجة إعلامية حول الموضوع تبعتها ملاحقات أمنية، قبل ان تخف الضجة وتعود الأمور إلى طبيعتها.
كيف تحصل الرحلات؟
الرحلات تحصل بقوارب بعضها عائد لصيادين وبعضها يتم صناعته وتجميعه بشكل سريع لهذه الغاية، على أن كلفة تصنيع المركب من أساسه لا تتعدى الـ 50 ألف دولار لمركب بطول 14 متراً وعرض 6 أمتار، في حال كان مجهّزاً بكل وسائل الأمان وإلا فالمبلغ أقل من ذلك بكثير.
أحد الصيادين في مرفأ العريضة العكاري يملك مركباً قديماً، وهو مكسور ومتوقف عن العمل وموجود أمام منزله، ويقول لـ»نداء الوطن»: «قبل أيام زارني شابان من طرابلس وطلبا أن أبيعهما المركب وعرضا عليّ 3000 دولار. ومع أني بحاجة إلى المال ولا أعمل حالياً والمركب بحاجة إلى أكثر من 5000 دولار ليعود صالحاً للعمل، لكنني رفضت بيعه لأنني أول ما فكرت ان يكون المطلوب استعماله في رحلات الهجرة». وبحسب مصدر مطلع فإن «هذه الرحلات تحصل بتدبير من عصابات صارت محترفة بهذا العمل، وتتمتع بتغطية سياسية تؤمّن لها بعض التغاضي الأمني. وقد وقع أكثر من شخص من هؤلاء المدبّرين من طرابلس إلى عكار، بقبضة القوى الأمنية ثم أعيد إطلاق سراحهم.
كيف يتم تجنيد المروّجين للأمر؟
ليس من الضروري أن يكون سائق المركب أو المسؤول الأساسي عن الرحلة هو نفسه من يروّج لها. فالمروّجون لا يعرفون إلا المسؤول عن الرحلة، يؤمنون له المبالغ المطلوبة بالفريش دولار عن كل مسافر، فيتولى هو تسليمها إلى المسؤول الأساسي. وإذا كانت سعة المركب بين 40 و 60 شخصاً، فإن بعض الرحلات تجاوز عدد الركاب فيها الـ150 والـ200 راكب، بمبلغ أقله 1000 دولار للراكب الواحد وأكثره 4000. فالعوائل يتم تخفيض المبالغ بالنسبة إليها واحتساب كل طفلين كراكب واحد. يتم إغراء الشبان والعائلات من خلال عرض مقاطع مصورة لعائلات هاجرت معهم في السابق ووصلت إلى أوروبا وهي تعيش الآن بأمان واستقرار.
تجدر الإشارة إلى أن المسؤولين الأساسيين عن هذه الرحلات صاروا بأغلبهم مكشوفين، ومنهم شخص من آل دندشي الذي هيّأ رحلة قارب الموت وخرج فيها مع عائلته هذه المرة، بعدما كان نفّذ أكثر من عملية تهريب لأشخاص بهذه الطريقة.
حادثة غرق زورق الموت لم تردع عمليات التهريب إذ ما زالت وسائل التواصل الإجتماعي تنقل صوراً وفيديوات يقال إنها عائدة لمراكب قصدت أوروبا بالبحر ووصلت إلى وجهتها. في هذا الصدد يروي لنا أحد الشبان من عكار بأنه «كان من المفترض أن يخرج مع رفاق له إلى أوروبا في رحلة تقرر ان تنطلق يوم الأحد الماضي من قبالة شاطئ العريضة، والأمور تجهّزت وسلّم الشخص المدبّر 1500 دولار ولكن زورق السبت قد باغت الجميع وتوقفت الرحلة… ومنذ ذاك الحين وهو يتصل بالمدبّر على هاتفه فلا يرد».
وعُلم في هذا السياق أن عائلات طرابلسية كثيرة في القبة وباب الرمل وفي مناطق الحرمان، تستعدّ لخوض تجربة البحر ريثما تتأمّن لديها المبالغ المطلوبة.