هل يبدأ الإسرائيليون الحفر في “كاريش”؟

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

إذا طال النزاع في أوكرانيا، ودخل وضعية الاستنزاف، فستكون انعكاساته حادّة على عملية تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، سواء عبر أوكرانيا أو عبر خط «نورد ستريم 2». وفي خضم هذا المأزق، يخطّط الإسرائيليون للاستثمار. فهذا «الستاتيكو» سيقدّم إليهم خدمة لا تقدَّر بثمن، لأنّه سيدفع الأميركيين والأوروبيين إلى تسريع الاستعانة بالبديل من الشرق الأوسط، وتحديداً من بوابة إسرائيل- مصر- الأردن، ولبنان إذا أراد الانضمام إلى هذه المنظومة.

قبل اندلاع الأزمة في أوكرانيا، واستباقاً لأي اتفاق في فيينا بين الإيرانيين والقوى الدولية، قرَّر الإسرائيليون بدء خطواتهم العملية في آذار الجاري، لاستخراج الغاز من حقل «كاريش» والبقعة المحاذية للحدود البحرية مع لبنان. وفي زيارته لبيروت، الخريف الفائت، منح الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين لبنان مهلة لإنتاج صيغة تسووية خلال 3 أشهر، لأنّ الهدف هو استباق الوصول إلى إحراج في آذار.

التفكير الأميركي في الملف يقوم على المعادلة الآتية: عند انطلاق المفاوضات، كان أقصى طموح لبنان هو الوصول إلى النقطة 23، وقد رفض التسوية التي اقترحها فريدريك هوف، والقاضية بمنحه 55% من مساحة 865 كيلومتراً مربعاً، مقابل 45% لإسرائيل، لأنّه يتمسّك بكامل البقعة التي يدور حولها الخلاف.

بالنسبة إلى الأميركيين، هذا الموقف مفهوم كجزء من مستلزمات التفاوض، إذ يطالب كل طرف بالحدّ الأقصى للحصول على الأفضل. لكن خروج لبنان عن سقف التفاوض إلى النقطة 29 أخرج المفاوضات عن سياقها. فليس واقعياً أن تتخلّى إسرائيل للبنان عن حقل كاريش. وقد ردَّت هي أيضاً بالخروج إلى نقطة متقدّمة جداً، مقابِلة لصيدا، وهذا طرح غير منطقي.

طرْحُ هوكشتاين المكتوب، الذي تسلَّمه الرئيس ميشال عون من السفيرة دوروثي شيا، لم يُكشف عنه. لكن الأرجح أنّه يقوم على عودة الطرفين إلى الإطار الأساس، أي 865 كليومتراً، ومراعاة لبنان بمنحه كامل المنطقة المختلف عليها، مع تعديل الخطّ الحدودي في العديد من النقاط، وفقاً لما يناسب الإسرائيليين، بحيث يصبح متعرّجاً.

في تقدير الأميركيين أنّ لبنان نجح في تحصيل أقصى ما يمكن واقعياً، وأنّ إسرائيل وافقت على الطرح، فلا يجوز الاستمرار في إضاعة الفرص، خصوصاً أنّ الجميع يستعجل إنتاج تسوية تسهّل الاستفادة من موارد الطاقة، وانطلاق مسار الغاز من الشرق الأوسط، وبرعاية أميركية، بدلاً من الغاز الروسي.

وسيكون مناسباً ضمّ لبنان إلى منظومة الغاز الشرق أوسطية التي تجمع حلفاء استراتيجيين لواشنطن (إسرائيل ومصر والأردن). والتشجيع الأميركي المطلق لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان هو جزء من السياق المطلوب.

ولكن، حتى الآن، لا ملامح موافقة من الجانب اللبناني على الطرح. وهذا الأمر ليس مستغرباً. فليس منطقياً أن توافق إيران على التنازل مجاناً للولايات المتحدة وحلفائها، وهي تمسك اليوم بغالبية القرار السياسي، ومعه تتحكّم بمخزونات النفط في لبنان. ولن يُقْدِم حلفاء إيران على أي خطوة في هذا الشأن، ما لم تكن في سياق الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط.

ومن الممكن أن تنضج الخيارات الإيرانية في ضوء التحوُّلات التي ستفرضها مفاوضات فيينا وحرب أوكرانيا. فإيران لن تتخلّى عن ورقة الغاز الثمينة على بوابة المتوسط وأوروبا. لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّها ستستخدم هذه الورقة للمواجهة مع الولايات المتحدة. وعلى العكس، قد تكون جزءاً من الصفقة، عندما يحين موعدها.

والأرجح، أنّ ما يبدو اليوم «تبايناً استراتيجياً» في الموقف، بين «حزب الله» والرئيس ميشال عون، حول ملف التفاوض مع إسرائيل وهوامش التنازل وطبيعة العلاقة مع الأميركيين، هو مسألة يسمح بها «الحزب» للمناورة السياسية ولإبقاء الهوامش مفتوحة على أي خيار، عندما يأتي الضوء الأخضر من إيران ويحدّد طبيعة التعاطي مع الملف.

شاهد أيضاً

جميل السيد ينتقد هوكستين…غادر مرتاحاً وترك لبنان تحت القصف

في منشور مثير عبر منصة “إكس”، وجه النائب جميل السيّد انتقادات لاذعة للوسيط الأميركي آموس …