كتبت ندى أيوب في “الأخبار”:
تُرخي الحرب الروسية – الأوكرانية بثِقلِها على اللبنانيين. فتداعياتها الاقتصادية والتجارية تهدّد أمنهم الغذائي، لا سيما أن لبنان يستورد غالبية سلعه الغذائية. وبما أن معظم وارداته من القمح والزيت مصدرها أوكرانيا وروسيا، فالمشكلة الأساسية في هاتين السلعتين باتت أمراً واقعاً، إن لجهة المخزون أو الأسعار التي سجّلت ارتفاعاً. يليهما السكر مع توقف الجزائر عن تصديره. أما بالنسبة للحبوب، فالنقص قد يطاولها بحسب تطورات الحرب وإجراءات الدول المصدّرة، إنما لا أزمة حالية فيها. اختلال التوازن العالمي واستعار الأسواق يفرضان على لبنان التعامل مع واقع استثنائي تزيد من صعوبته الأزمة المالية والمعيشية الرازح تحت وطأتها.
بالتزامن، تشهد السوق حالة هلعٍ أكبر مما يفرضه الواقع أقلّه حالياً، تترافق مع ترويج لارتفاع أسعار بعض السلع كالسكر (50%) أضعاف الارتفاع العالمي الذي بلغ 5.5% بحسب مؤشر «ناسداك»، فضلاً عن عودة نشاط مستغلّي الأزمات واحتكارهم للزيت والسكر والطحين.
يستورد لبنان سنوياً نحو 100 ألف طن من الزيوت، 50% منها من أوكرانيا، و30% من روسيا و15% من تركيا، و5% من مصر. نتيجة توقف التصدير في كل من روسيا وأوكرانيا، وخوفاً من انقطاع المادة، شهدت المحال التجارية في اليومين الماضيين تهافتاً لشراء الزيت بـ«كميات غير منطقية رغم ارتفاع أسعاره» بحسب نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد، الذي أكّد أن «المورّدين ولغاية الآن يسلّمون البضائع كما يجب، والزيوت متوافرة في المتاجر»، رافضاً الحديث عن موجة احتكار. علماً بأن المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد بو حيدر أكد لـ«الأخبار» أن «الوزارة ضبطت حالات احتكار للزيت والسكر والطحين، في بعض المتاجر. وهي ستراقب الشركات المستوردة والموزّعين ونقاط البيع، للتأكد من أن المورّد لا يقنّن تسليم الكميات المطلوبة للمتاجر وبأن الأخيرة تعرض البضائع، وستسطّر الوزارة محاضر ضبطٍ بحق المحتكرين».
من جهته، يشير رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي إلى أن مصر وتركيا تستوردان الزيت الخام من أوكرانيا وروسيا، بالتالي لا يمكن الاعتماد عليهما كمصادر بديلة. أزمة زيوت تنتظرنا مع توقف انقطاع سلاسل الإمداد من روسيا وأوكرانيا، وارتباطها بمجريات الأحداث وتطورها، و«إلى حين التأقلم وإيجاد بدائل عالمية ستشهد السوق اللبنانية نقصاً في المادّة وليس انقطاعاً». وفي غياب العرض العالمي للزيوت، وتهافت الدول على شراء المواد ضماناً لأمنها الغذائي، يرى بحصلي أن «لا خيارات إلا القبول بما يعرضه المورّد الخارجي من أي بلد، ومن لديه المال يحصل على الغذاء».
التقنين في بيع السلع وعلى رأسها الزيت، إجراء بدأ طرحه تفادياً للضغط على السوق، وإفساحاً في المجال أمام المستوردين لإيجاد مصادرهم، والتي قد تكون من حيث المسافة أبعد من أوكرانيا وروسيا، ككندا مثلاً. لكن الذهاب إلى هذا الخيار سيترافق مع زيادة كبيرة في الأسعار، نظراً لكلفة الشحن الأعلى، بخاصة أن أسعار النفط عالمياً تسجل زياداتٍ غير مسبوقة.
ورغم أن أوكرانيا ليست من المصدرين للسكر إلا أن هذه المادة، انضمّت إلى لائحة المواد المهدّد فقدانها من السوق المحلية مع إعلان الجزائر وقف تصدير المادة حفاظاً على مخزونها. وهي المورّد الأول للبنان بحجم استيراد يبلغ سنوياً 60 ألف طن. فور الإعلان، بدأ الحديث بين المستوردين والتجار في لبنان عن ارتفاع الأسعار عالمياً بحدود 50%، إلا أن التدقيق في الأسعار يبيّن أن الزيادة العالمية بلغت 5.5% فقط.
بعض التجار يحتكرون الحبوب ويستبقون أزمة قد تقع في حال أوقفت تركيا على سبيل المثال تصديرها. إذ إن لبنان يعتمد عليها لتأمين البرغل وليس على أوكرانيا. خطوة قد تتخذها تركيا بحسب ما تفرضه تطورات الصراع الروسي – الأوكراني. لكن الأكيد لغاية الآن، وفق بحصلي وفهد، أن السوق لا تعاني من أزمة حبوب.
غياب خطط الدولة الجدية واستغلال تجار الأزمات كالمعتاد لحاجة الناس والهلع غير المفيد، عوامل ثلاثة تنذر بأن مشاهد الطوابير والاحتكار والذل ستزداد في القادم من الأيام.