في إطار تنمية الحوكمة البيئية، أقام “مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد” في جامعة القديس يوسف في بيروت، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والتعاون مع وزارة البيئة الندوة الأولى تحت عنوان “الحوكمة البيئية – التحديات والفرص”.
افتتح الجلسة الافتتاحية مدير مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد البرفسور باسكال مونان، الذي أكد أن الحكم الرشيد ضرورة في عمل مختلف القطاعات والمؤسسات من أجل ان تستقيم الأمور وأن تتحقق المصلحة العامة، والبيئة واحدة في هذه القطاعات”.
واعتبر أنه صار ثابتاً أن “الدول التي تولي الشأن البيئي الأهمية التي يستحق هي دول متقدّمة، ففي البيئة تُبنى الحياة اللائقة ضمن شروط الجودة النوعية”، معتبراً أن “هذه الحوكمة تفترض أولاً وجود دولة قادرة فاعلة لديها رؤية وتخطيط، المؤسسات فيها فعّالة بالدرجة القصوى لا بتصريف الأعمال، قوانينها برسم التطبيق والرقابة عاملة، وكل هذا غير موجود في لبنان للأسف”.
كما أشار الى أن لبنان يعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة وفي وقت بدأ العمل على وضع خطة التعافي الاقتصادي الموعود، لا بد لنا من الانطلاق من الموضوع البيئي وانطلاقاً من هنا نفتتح النقاش حول الحوكمة البيئية، آملين أن يساعد ذلك أصحاب القرار في وضع السياسة اللازمة بيئياً”.
وألقى رئيس جامعة القديس يوسف في بيروت البروفسور سليم دكاش، كلمة الجامعة تحدث فيها عن الخطر الكبير الذي يهدد العالم أجمع بسبب التغير المناخي الذي سيعود بالكارثة على البشرية جمعاء. وعرض في كلمته عمل جامعة القديس يوسف على صعيد الملف البيئي والدراسات التي قامت بها الجامعة في بيروت وباقي المناطق اللبنانية حول البيئة والتلوث الهوائي والمائي وغيرها.
كما لفت دكاش الى العمل الكبير الذي تقوم به الجامعة في مختلف كلياتها لتحول الجامعة الى خضراء بالكامل وتخفيف نسبة التلوث من خلال خطوات عديدة أبرزها تحرير الكليات من السيارات وخلق مساحات خضراء كبيرة وذلك من خلال العمل المشترك بين الإدارة وشركائها من الجمعيات الدولية والطلاب.
بدورها، اشارت الممثّلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان السيّدة سيلين مويرود، الى ان النقاش الذي تم اطلاقه اليوم ليس الأخير، بل سيكون هناك سلسلة من نقاشات حول وضع البيئة وهو ركيزة يجب ان ننطلق منها عندما نتحدث عن البيئة بهدف توعية المعنيين حول الوضع الراهن، إضافة الى المساعدة على البحث عن حلول لكي نكوّن فهماً واضحا والتفكير بالمزيد من الخطط والبرامج لتحسين الواقع البيئي.
وشكرت جامعة القديس يوسف ووزارة البيئة مؤكدة انه لا يمكن ان نحقق اصلاح اقتصادي في لبنان من دون الارتكاز على البيئة.
من جهته، بدأ وزير البيئة ناصر ياسين كلمته بالتأكيد على أن صرح جامعة القديس يوسف هو من الصروح العريقة التي تؤكد على قيامة لبنان من جديد، واستهل حديثه بالإشارة الى أن التدهور البيئي في لبنان يعود لأسباب عديدة منها العشوائية بالتعاطي مع القضايا البيئية.
أضاف: “يقدر الضرر بحوالي مليار دولار على مستوى قضم الجبال مثلاً، الكلفة الصحية تقدر بمليار دولار بسبب تلوث الهواء، ونفس الأمر بالنسبة لتلوث المياه وغيرها”، مشيراً الى أن “الصورة سوداوية بالفعل ولكن جذر هذه المشاكل البيئية هو واحد وهو غياب الحوكمة البيئية، فنحن لم ندير القضايا البيئية بالطريقة الصحيحة”.
وتابع ياسين: “وزارة البيئة تنظم إدارة شؤون البيئة ولكن تطبيق القوانين هو عند وزارات وشركاء اخرين وهي للأسف لا تطبق ولا تُحترم، وإذا اردنا الوصول الى حوكمة سليمة فعلينا تطبيق القوانين”. وشدد على “أهمية التشارك بين البلديات ووزارة البيئة، بين وزارة البيئة والوزارات الأخرى، وهذا الامر غير موجود للأسف، إضافة الى أهمية محاسبة الأشخاص الذين يسببون ضرراً بيئياً فالمساءلة غائبة تماما وهذه كارثة بحد ذاتها”.
كما عرض ياسين للمشاكل التي تعاني منها وزارة البيئة حالياً أبرزها مشكلة النفايات التي عادت مجدداً لتواجه مناطق بيروت وجبل لبنان، مشيراً الى أن هناك غياب حقيقي للحماية الأمنية لمطامر النفايات مثل “مطمر الجديدة”، مؤكداً أنه يجب ان نصل الى لامركزية حقيقية في إدارة كل القطاعات البيئية”.
وبعدها دار نقاش حول الحكومة البيئية، حيث اعتبر وزير البيئة السابق دميانوس قطار أن هناك فرصة كبيرة وذهبية للبيئة في لبنان بعد نقطة التحوّل الاقتصادي، وقال: “أنا مُصرّ هنا على تسميته تحولا وليس انهيارا او تعافيا، فهناك فرصة ذهبية للاعتراف بواقع البيئة كمكوّن أساسي للنهوض الاقتصادي”.
ورأى أن المبدأ الاستراتيجي هو الصراع الدائم بين قوة التشريع، ضعف التنفيذ وغياب التحفيز، فهذا الصراع دائم لأن هدف السلطة المركزية في موضوع البيئة هو الاستمرار بالتحكم وهذا ما عانى منه كل الوزراء المتعاقبين على وزارة البيئة. وأضاف: “يجب في المرحلة المقبلة إعطاء وزارة البيئة القدرة بالتصرف المباشر وليس العودة الى السلطة المركزية التي تهدف فيه الدولة هنا الى الاستمرار وليس الإنتاج”، مؤكداً أنه على السلطة المركزية السعي لحياة أفضل، والسلطة المحلية لرعاية اشمل وعلى مستوى التمويل ان يكون أفعل.
كذلك، شدّد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي على أن لا اقتصاد سليم إن لم يكن هناك بيئة سليمة، وعرض مدى تأثير التدهور البيئي على الواقع الاقتصادي، ولفت عربيد الى أن “الهم البيئي غير موجود لدى مختلف القوى السياسية في لبنان، فهذا الأمر غائب عن كل القوى السياسية وعلى المواطنين اللبنانيين محاسبة القوى السياسية على هذا الأساس”.
وكشف عربيد أن المجلس الاقتصادي أعد مشروع قانون منذ عام ونصف لضم الملف البيئي الى عمل المجلس “لكي يصبح للجمعبات البيئية مكاناً رسمياً لنتشارك في أفكارهم ووضع السياسات، علماً ان قراراتنا ليست ملزمة ولكنها وازنة خصوصاً مع دخول المجتمع المدني للمشاركة في شكل مباشر في وضع السياسات من موقع رسمي في الدولة”.
ممثل عن التجمّع اللبناني للبيئة تحدث عن أهمية توحيد الجهود وتشجيع المبادرات البيئية المشابهة ما يعطي قوة أكبر من أجل تأثير أكبر في عملنا، واسف للواقع الذي وصلنا اليه خصوصاً في موضوع النفايات وسوء الإدارة في هذا الملف، مؤكداً ضرورة وضع عناوين أساسية من خلال مركزة القرار في وزارة البيئة وليس مركزة التنفيذ من خلال السلطات المحلية، ومن هنا دعا غندور الى توحيد وزارة البيئة والبلديات للعمل سوياً على الحفاظ على البيئة، فهي لا تتلخص فقط بملف النفايات.
الحركة البيئية اللبنانية اعتبرت من خلال ممثلها فضل الله حسّونة انه من الضرورة اعلان حالة الطوارئ البيئية في لبنان، وأضاف: “لن ننجح في عملنا اذا لن نملّك البيئة للناس فعلينا مناقشة القضايا كافة مع الناس لوضع الحقائق كما هي أمامنا، فمع اطلاق ورشة وطنية في كل أقضية لبنان يمكننا بالتالي الوصول الى اهدافنا من خلال اشراك الناس بمختلف الفئات بعملنا، ما يعطي أهمية وأثر اكبر في عملنا، كما انه لا غنى عن دولة القانون والمؤسسات”.
ممثلة ائتلاف إدارة النفايات أوضحت ان هدف الائتلاف الأساسي تغيير النظرة لملف النفايات بشكل عام كون هذا الملف قادر على إعطاء إضافة نوعية في الملف الاقتصادي. خليل عرضت كل المخالفات والتجاوزات خصوصاً في ملف النفايات، عارضة الصعوبات في اتخاذ القرارات في الدولة مع سلطة الأحزاب وزعماء الطوائف حتى في الملف البيئي وكل الصعوبات والمشكلات التي تقف في وجه الواقع البيئي في لبنان، كما عرضت خليل خطوات ضرورية على وزارة البيئة والمعنيين القيام بها من أجل السير على السكة الصحيحة في معالجة القضايا التي تهدد البيئة، مؤكدة أن التغيير صعب وبحاجة للوقت لكنه ضروري جداً.