كتب النائب نعمة طعمة في “الشرق الأوسط”:
تذكرني الحركة الخليجية باتجاه لبنان بعد زيارة وزير خارجية دولة الكويت الشيخ أحمد ناصر الصباح، بالزمن الجميل الذي جمع لبنان تاريخياً بالمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، عندما كانت اللجنة العربية الثلاثية تسعى إلى وقف الحرب الدامية في لبنان في أحلك الظروف، وأصعب مرحلة شهدها لبنان، يوم كانت لغة المدافع هي السائدة، والدمار يطال لبنان، وشعبه الطيب يهاجر… حينها كان الأمير الراحل سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية وعميد وزراء الخارجية في العالم، ومعه أمير دولة الكويت الراحل وزير الخارجية آنذاك الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، إلى جانب وزير خارجية المغرب عبد اللطيف الفيلالي، يقومون بمهام دبلوماسية شاقة، بحنكة ودراية تامة في تدوير الزوايا، وعراقة سياسية ودبلوماسية بالغة الأهمية، إلى أن توصلوا إلى اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب في لبنان، وبات الدستور الضامن للسلم الأهلي في لبنان.
الرياض ستعود إلى لبنان، وهي لم تغادره أصلاً، فالتاريخ لا يمحى بشطبة قلم، والخليج أيضاً، فما جرى في الكويت، وقبله ما عبّر عنه وزير الخارجية الكويتي من كلام يحمل محبة الكويت ودول مجلس التعاون للبنان وبعبارات رقيقة، ينمّ عن هذا التاريخ الناصع، فلطالما سمعت من كبار المسؤولين السعوديين كلاماً يؤكد مدى تعلقهم بلبنان، بل أكثر من بعض مسؤوليه، فكانوا يتأثرون لما كان يجري إبان الحروب، في بلد اعتبروه وطنهم الثاني، فساندوه، ودعموه، وكانوا إلى جانبه في الملمات يوم تخلَّى عنّا العالم.
اليوم نسأل، ماذا فعلنا تجاه أهلنا في الخليج؟! أسأل؛ هل يعقل أن نشهد هذه الحملات التي تطال السعودية، مملكة الخير والعطاء والسند الأساس لوطن الأرز؟! أسأل؛ هل يعقل أن ترسل الآفات إلى هذه الدول التي تعلَّقت بوطننا وساعدت أهله واحتضنتهم؟! أسأل، وأنا أشاهد على شاشات التلفزة كيف تتعرض منشآت مدنية وحيوية في السعودية لاعتداءات خارج المواثيق الدولية وحقوق الإنسان… والبعض في لبنان لا يرفّ له جفن، ويغفل عن أن المملكة هي مَن حصّنت اقتصادنا، ومن سعت إلى جانب الأشقاء والأصدقاء لوقف الحروب المؤسفة في بلدنا.
وعَودٌ على بدء، فما شاهدناه في الأيام الماضية من تطورات سياسية ودبلوماسية ومؤتمرات، وحيث دول الخليج كانت في طليعة هذه الأحداث، وتحديداً تجاه لبنان، من مساعٍ دبلوماسية خليجية وعربية ودولية… يذكرنا أيضاً بهذا الدور السعودي والخليجي والعربي، لإنقاذ وطننا من براثن الانهيار السياسي والأمني والاقتصادي، حيث أهل بلدي الطيبون الصابرون يعانون الأزمات الحياتية والمعيشية الصعبة… والشباب يهاجرون وعائلات بأكملها تنتظر الحصول على تأشيرة لتغادر هذه الأرض التي احتضنتهم وتعلقوا بجذورها، في ظل تخلي مسؤوليهم عنهم وعن معاناتهم وقهرهم وفقرهم، والغياب المدوي للمعالجات للأزمات القائمة، إلا مسكنات لا تسمن ولا تغني عن إطعام جائع وفقير، وسياسات اعتباطية وغياب الرؤية الواضحة، وكم حذرنا منذ سنوات من هذه السياسات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، وكذلك إلى الأزمة القائمة اليوم مع المملكة والخليج… ولكنها غيمة صيف وستزول بفعل أصحاب الحكمة والرأي السديد من خلال قيادة المملكة الحكيمة وزعماء الخليج الذين يتمسكون ببلد ما زال في الذاكرة والوجدان.
ويبقى أمام هذه المساعي الخيرة والجولات المكوكية والمؤتمرات… أن ينتفض أهل الحل والربط وكبار المسؤولين فيقرأوا الماضي والحاضر، ويقفوا وقفة المسؤول الذي يعمل لصالح بلده وأهله، لا للآخرين… فلتقف الحملات على المملكة والخليج، ولنلتزم بالمبادرات، ولنتقِ الله ونخافه… حرصاً على ما تبقى لنا من رصيد… وإلا الخوف والقلق على المصير، وثقتي ومعرفتي بحكماء الخليج أنهم حتى الساعة، لبنان في عقولهم وقلوبهم… فهل من مجيب؟!