‏عقوبات جديدة على ناشطين كبار في السوق السوداء!

كتب أنطون الفتى في وكالة “أخبار اليوم”:

أسوأ ما في الأزمات، هو عندما يتمّ استيلادها بأوجه وأشكال وأنواع جديدة، تُبقي القديم على قدمه، مع بعض التغييرات التي تبدو إيجابية في الشكل، فيما حقيقة مضمونها، هي أننا نلفّ وندور ضمن الحلقة المفرغة نفسها.

قد يكون التقصّي عن أسعار السّلع والبضائع في مرحلة ما بعد “تهاوي” دولار السوق السوداء قبل أيام، مُلِذّاً من الخارج. ولكن بالتوغُّل القليل الى الداخل، نجد ما هو مُقلِق، الذي يجعل بعض المراقبين ينصحون بعَدَم إضاعة الوقت على التقصّي عن مستقبل الأسعار، سواء انخفضت بعض الشيء أم لا، لأن ذلك يُلهي الناس عن الأهمّ، وهو أن الإيجابيات المُقترِنَة بالانهيار، لا يُمكنها أن تكون إيجابيّة، لأنها ليست أكثر من تمكين وقتيّ للناس، يسمح لهم بالتقاط أنفاسهم قبل استكمال حلقات الانهيار الكبير، بما يمنع الوصول الى مجاعة لبنانية حقيقية، تفرض تدخّلاً دولياً، ووضع لبنان على طاولة الأمم المتحدة إجبارياً.

وهذا يعني أن انخفاض الأسعار ليس أكثر من حلقة ضمن سلسلة شراء الإبقاء على الانهيار التدريجي، وعَدَم إفلاته من عقالاته السياسية المرسومة.

شدّد مصدر واسع الاطلاع على أن “من يحبّ لبنان، ونجاحه في التعاطي مع صندوق النّقد الدولي، يضرب السوق السوداء، لأن هذا أبرز ما يطلبه القيّمون على “الصندوق”.

ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “العقوبات الأميركية والأوروبية على النّاشطين الكبار في السوق السوداء، آتية لا محالة، كمدخل لدولة لبنانية لا تتذرّع بالتهريب الحاصل بين حدود دول القارة الأوروبية، أو الأميركية، لتبرير الإبقاء على الحدود اللبنانية مفتوحة. وأسماء هؤلاء كلّهم معروفة، حتى إن لوائحهم موجودة لدى أجهزة استخبارات كثيرة، وهم من أولئك الذين يظهرون على الشاشات، وفي وسائل الإعلام، منذ العام الفائت، للتهديد والمطالبة برفع الأسعار، أو لتبرير رفعها”.

وأكد المصدر أنه “لا يمكن الاستفادة من أي انخفاض في دولار السوق السوداء، بلا إصلاحات بنيوية داخل الدولة. ولكن الدّليل على أن لا إرادة سياسية للخروج من الأزمة، هو عَدَم ضرب السوق السوداء، حتى في مرحلة تهاويها”. وأضاف: “تمّت جدولة أسعار السّلع والمواد الغذائية والبضائع على سعر صرف دولار 37 ألف ليرة، و40 ألف ليرة أيضاً، بينما كان سعر صرف دولار السوق السوداء 33500 ألف ليرة. فعَن أي انخفاض في الأسعار يتحدّثون اليوم؟”.

وأشار المصدر الى أن “أروقة مالية خارجيّة تضجّ بالحديث عن لوائح عقوبات على رؤساء نقابات في لبنان، وعلى مستوردين، وعلى رجال مال وأعمال، منذ أسابيع، أي منذ ما قبل بَدْء انخفاض الدولار في السوق السوداء. وهذا من نتيجة الاقتناع الدولي بأن الاستحقاقات الانتخابية في لبنان لن تغيّر وحدها، بل هي تحتاج الى تحطيم أدوات الفساد النقابية، والمالية، والاقتصادية، الى جانب الأمنية والعسكرية غير الشرعية، كمدخل لإدخال لبنان في السياسة الدولية الكبرى”.

وتابع: “تمويل القوى السياسية والحزبية اللبنانية، على تنوّعها واختلافها، ضُرِبَ بانفجار مرفأ بيروت، وبفتح العَيْن الدولية عليه، وبعَدَم السماح الدولي بتنفيعات كهربائية بعد اليوم، كما كان يحصل في الماضي، وهو ما قطع الكهرباء عن اللبنانيين منذ نحو عام. كما ضُرِبَ تمويلها من خلال فتح الأعيُن الدولية على مطار بيروت الدولي، منذ نحو عام، أكثر من الماضي. وهذا ما أدى الى بداية رحلة رفع سعر صرف دولار السوق السوداء بنِسَب هائلة، منذ الصيف الفائت، لأن هذه هي الأداة التي باتت تتموّل منها الأحزاب والتيارات والجهات السياسية اللبنانية، كافّة”.

وشرح المصدر: “رفع سعر صرف دولار السوق السوداء، تزامن مع رحلات تقليص الدّعم، وتهديدات النقابات، وغيرها من المستوردين… بضرورة رفع الأسعار تحت طائلة وقف الخدمات والعمل”.

وأوضح: “هذا تمويل ذاتي للأحزاب والتيارات والجهات السياسية كلّها في البلد، التي تدير النّقابات وعمليات نهبها، ورجال المال والأعمال، وحركة المستوردين… وذلك بعدما بات التمويل الخارجي لتلك الأحزاب والتيارات والجهات خاضعاً لمراقبة دولية أكثر من الماضي. وهو ما يعني أنها “تشبّح” من الدّاخل، من خلال دولار السوق السوداء، ورفع الأسعار، عبر أدواتها النّقابية…، لتموّل ذاتها. ونحن نرى جيّداً كيف أن لا محاضر ضبط تنفع، ولا مداهمات، خصوصاً أن من يُداهم، يكون له ما له من فساد، في أماكن أخرى”.

وذكّر المصدر بأن “هذه الوقائع كلّها، مع الأسماء، موثّقة على لوائح أجهزة استخبارات غربية، ستمهّد لفرض عقوبات. ولكن توقيت فرضها لا يتعلّق بانتخابات نيابية، ولا بسواها. فالغرب لا يهتمّ بما إذا سيطر هذا أو ذاك على مجلس النواب في لبنان، أو على الحكومة، أو على الرئاسات، بل (يهتمّ) بتحطيم الأدوات الفاسِدَة لهذا المُسَيْطِر أو ذاك”.

وختم: “لا يُمكن لمن دخل الى البرلمان بـ 128 نائباً مثلاً، أي بسيطرة كاملة، أن يُرهّب أي جهة محليّة أو خارجية، إذا فَقَدَ أسلحته النقابية، و”التشبيحية”، وتلك العسكرية غير الشرعية. ومن هذا المُنطَلَق، الاستحقاقات الانتخابية وحدها ليست هدفاً بحدّ ذاته، بالنّسبة الى الغرب، وذلك رغم تشديده على حصولها في مواعيدها”.

شاهد أيضاً

هكذا يُفشل اللبنانيون محاولات “إسرائيل بالعربية” زرع الفتنة بينهم

سعت إسرائيل مؤخرا، عبر حملات منظمة، إلى إشعال نار الفتنة المذهبية في لبنان وخاصة بين …