فيما لا يزال العالم منشغلًا بـ “كورونا” ومتحوراته، حدد فريق علميّ دولي الأجسام المضادة التي تحيد سلالة “أوميكرون” ومتغيرات أخرى للوباء، حيث تستهدف هذه الأجسام المضادة مناطق من البروتين الشائك للفيروس (بروتين سبايك) التي تظل من دون تغيير جوهري مع تحوّر الفيروسات.
من خلال تحديد أهداف هذه الأجسام المضادة “المحايدة على نطاق واسع” على بروتين “سبايك”، قد يكون من الممكن تصميم لقاحات وعلاجات بالأجسام المضادة التي ستكون فعالة، ليس فقط ضد متغيّر “أوميكرون” ولكن أيضًا ضدّ المتغيرات الأخرى التي قد تظهر في المستقبل، كما يوضح ديفيد فيسلر، وهو باحث في معهد “هوارد هيوز” الطبي، وأستاذ مشارك في الكيمياء الحيوية في كلية الطب بجامعة واشنطن في سياتل.
يقول فيسلر، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لـ”جامعة واشنطن”، يخبرنا هذا الاكتشاف أنه “من خلال التركيز على الأجسام المضادة التي تستهدف هذه المواقع المحفوظة للغاية على البروتين الشائك، تكون هناك طريقة للتغلب على التطور المستمر للفيروس”.
فيما قاد فيسلر المشروع البحثي الذي توصل لهذه الأجسام المضادة، بالتعاون مع فريق باحثين من سويسرا، ونشروا نتائج عملهم في العدد الأخير من دورية “نيتشر “Nature.
إلى ذلك، أظهر إحصاء لـ “رويترز” أنّ أكثر من 283.23 مليون نسمة أُصيبوا بفيروس “كورونا” المستجد على مستوى العالم، في حين وصل إجمالي عدد الوفيات الناتجة عن الفيروس إلى 5 ملايين و716,761.
هذا وتم تسجيل إصابات بالفيروس في أكثر من 210 دول ومناطق منذ اكتشاف أولى حالات الإصابة في الصين في كانون الأول/ ديسمبر 2019.
بينما يحتوي متحور أوميكرون على 37 طفرة في بروتين الأشواك الذي يستخدمه الفيروس للالتصاق بالخلايا البشرية وغزوها، وهذا عدد كبير بشكل غير عادي من الطفرات، ويُعتقد أنّ هذه التغييرات تشرح جزئيًا سبب قدرة المتغير على الانتشار بسرعة كبيرة، وإصابة الأشخاص الذين تمّ تطعيمهم، وإعادة إصابة أولئك الذين أصيبوا سابقًا بالعدوى.
يقول فيسلر: “كانت الأسئلة الرئيسية التي كنا نحاول الإجابة عنها، هي: “كيف أثَّرت هذه المجموعة من الطفرات في البروتين الشائك لمتغير (أوميكرون)، على قدرته على الارتباط بالخلايا، والتهرب من استجابات الجسم المضاد لجهاز المناعة”؟
كما يتكهن فيسلر وزملاؤه بأن عددًا كبيرًا من طفرات أوميكرون قد تكون تراكمت أثناء عدوى طويلة الأمد، لدى شخص يعاني من ضعف في جهاز المناعة، أو بسبب قفز الفيروس من البشر إلى نوع حيواني والعودة مرة أخرى.
ولتقييم تأثير هذه الطفرات، صمم الباحثون فيروسًا يسمى “الفيروس الكاذب”، لإنتاج بروتينات شائكة على سطحه، كما تفعل فيروسات “كورونا”، ثم قاموا بإنشاء فيروسات زائفة تحتوي على بروتينات شائكة مع طفرات “أوميكرون” وتلك الموجودة في المتغيرات الأولى التي تم تحديدها في الوباء.
نظر الباحثون في البداية لمعرفة مدى قدرة الإصدارات المختلفة من البروتين الشائك، على الارتباط بالبروتين الموجود على سطح الخلايا الذي يستخدمه الفيروس للالتصاق بالخلية ودخولها، ويسمى هذا البروتين “مستقبلات إنزيم تحويل الأنجيوتنسين” (ACE2).
هذا وقد وجد الباحثون أنّ البروتين الشائك من أوميكرون كان قادرًا على الارتباط 2.4 مرة أفضل من البروتين الشائك الموجود في الفيروس المعزول في بداية الوباء، ووجدوا أيضًا أنّ نسخة أوميكرون كانت قادرة على الارتباط بمستقبلات “ACE2” في الفئران بكفاءة، مما يشير إلى أن أوميكرون قد يكون قادراً على الانتقال بين البشر والثدييات الأخرى.
ثم نظر الباحثون في مدى جودة الأجسام المضادة التي تولدت ضد النسخ السابقة للفيروس في الحماية من متغير أوميكرون، وفعلوا ذلك باستخدام أجسام مضادة من مرضى سبق أن أصيبوا بإصدارات سابقة من الفيروس، أو تم تطعيمهم ضد سلالات سابقة من الفيروس، أو أصيبوا بالعدوى ثم تم تطعيمهم. ووجدوا أن الأجسام المضادة من الأشخاص الذين أصيبوا بسلالات سابقة، ومن أولئك الذين تلقوا واحداً من اللقاحات الستة الأكثر استخدامًا المتاحة حاليًا، قللت من القدرة على منع العدوى.
كما أنّ الأجسام المضادة من الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى، وتعافوا، ثم حصلوا على جرعتين من اللقاح، قللت أيضاً من نشاطها، لكن الانخفاض كان أقل، حوالي 5 أضعاف، مما يدل بوضوح على أنّ التطعيم بعد الإصابة مفيد.
هذا وأظهرت الأجسام المضادة من الأشخاص، في حالة مجموعة من المرضى الذين يغسلون الكُلى، وتلقوا جرعة معززة انخفاضًا بمقدار 4 أضعاف في نشاط التحييد، ويقول فيسلر: “هذا يدل على أن جرعة ثالثة مفيدة حقاً ضد أوميكرون”.
كذلك وجد الباحثون أنّ جميع علاجات الجسم المضاد المسموح بها حاليًا، أو المعتمدة لاستخدامها مع المرضى المعرضين للفيروس، باستثناء علاج واحد، لم يكن لها نشاط، أو قللت بشكل ملحوظ من نشاط أوميكرون في المختبر، وكان الاستثناء هو الجسم المضاد المسمى “سوتروفيماب”، والذي كان له ضعف إلى 3 أضعاف نشاط التحييد.
لكن عندما اختبروا مجموعة أكبر من الأجسام المضادة التي تم إنشاؤها ضد الإصدارات السابقة من الفيروس، حدد الباحثون 4 فئات من الأجسام المضادة التي احتفظت بقدرتها على تحييد أوميكرون، ويستهدف أعضاء كل فئة من هذه الفئات واحدة من 4 مناطق محددة من البروتين الشائك الموجود ليس فقط في متغيرات فيروس “كورونا” المستجد، ولكن أيضًا في مجموعة من الفيروسات التاجية ذات الصلة، تسمى الفيروسات “الساربيك”، وقد تستمر هذه المواقع على البروتين؛ لأنها تؤدي وظيفة أساسية يفقدها البروتين إذا تحور، وتسمى هذه المناطق “المحفوظة”.
يقول فيسلر إن اكتشاف أن الأجسام المضادة قادرة على التحييد، من خلال التعرف على المناطق المحمية في عديد من المتغيرات المختلفة للفيروس، يشير إلى أن تصميم اللقاحات وعلاجات الأجسام المضادة التي تستهدف هذه المناطق، يمكن أن تكون فعالة ضد مجموعة واسعة من المتغيرات التي تظهر من خلال الطفرات.