كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
أربعة مليارات دولار، هو المبلغ المرتقب الحصول عليه من صندوق النقد الدولي اذا ما اذا إثمرت المفاوضات بينه وبين الحكومة اللبنانية خيراً، وتمّ الإتفاق على صيغة تفاوضية رسمياً بناء على خطة الحكومة التي يجب أن تكون إصلاحية. إلا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وخلال مقابلة مع وكالة “فرانس برس”، أعلن وخلافاً للتوقعات، أن “لبنان قد يحصل على دعم يتراوح بين 12 و15 مليار دولار في حال تمّ التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ما سيساعد على إعادة تحريك الاقتصاد المتعثّر واستعادة الثقة، منبّهاً من تضاؤل الاحتياطي الإلزامي بالدولار”.
الزيادة التي تحدّث سلامة عنها وتتعلق بقيمة الدعم الممكن أن يقدّم الى لبنان، حدّده الحاكم بأنه سيتأتى من دول عدة ليزيد عن مبلغ الـ4 مليارات دولار وهي حصّتنا في صندوق النقد بعد النقاشات مع الأخير تمهيداً للتوصل الى خطة تعاف شاملة. واعتبر أنّ “هذا المبلغ يساعد لبنان لينطلق مجدداً ويستعيد الثقة”، مشيراً الى أنه “بقدر ما نتمكّن من استقطاب أموال بقدر ما نتعافى بسرعة”، مضيفاً أنه “هذا هو المفتاح لأن ينطلق لبنان ويستعيد البلد نشاطه الطبيعي”.
وَمضة تفاؤلية، لم يعد المواطن يأمل بتحقيقها في الزمن الليلكي والتشنّجات السياسية المستمرة. تلك المبالغ لن تكون طبعاً تقدمة أو كَرمى لـ”عيون اللبنانيين”، بل “ستكون عبارة عن قروض، هذا الأمر تطرقنا اليه مع المستشار المالي غسان شمّاس خلال حديثه مع “نداء الوطن”، اذ رأى أن “ضخّ مبلغ بقيمة 12 او 15 مليار دولار طبعاً سيحرّك الإقتصاد، ولكن يجب أن يترافق ذلك مع إقرار قانون الـ”كابيتال كونترول”.
“الكابيتال كونترول” أو السرقات
وعلّل شمّاس ذلك بالقول: “اذا لم يصدر قانون الـ”كابيتال كونترول”، ستُتاح الفرصة للـ”سرقات” مجدداً عند تسليم الأموال من الجهات الدولية، البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي”. من هنا يوضح أنه “عندما تتمّ قوننة قيمة السحوبات التي يمكن الحصول عليها، عندها يتأكد المقرض أن المال لن يتمّ الإستحواذ عليه من قبل بعض المتمكّنين الكبار”، الذين لا يتعدّون أصابع اليد”.
فضلاً عن ذلك رأى شمّاس أن “آلية البنك الدولي أو صندوق النقد، يجب ألا تركّز على إعادة الودائع”. فالأخيرة تُردّ من خلال تحريك الإقتصاد وزيادة قيمة الناتج المحلي والبحبوحة التي ستتوفّر مع الوقت في البلاد اذ إن الكلّ سيستفيد في تلك الحالة”. مبدياً خشيته من “دخول تلك الأموال في النظام المصرفي وأن تتحوّل الى تحفيزات للمصارف التي تبدأ بإعطاء قروض عشوائية… على سبيل المثال”.
من هنا، شدّد على “ضرورة وجود قوانين مشرّعة وصارمة، فتنفق الأموال على الإصلاحات والبنية التحتية وليس على منتوجات مدعومة تنتهي في جيوب بعض المقتدرين وفي الوقت نفسه تهرّب الى الخارج”.
اذاً، وكما هو معروف إن الجهات الدولية لن تعطي لبنان قروضاً إلا اذا تأكّد لها أن الأموال ستسدّد لها، الأمر الذي يعتمد على الثقة الممكن أن تمنحها الحكومة للجهات الدولية من خلال خطتها الإصلاحية والإلتزام بها. وانطلاقاً من هنا “إن البنك الدولي او صندوق النقد سيسأل الدولة اللبنانية كيف ستردّ الأموال؟ الجواب يأتي من خلال إقرار الـ”كابيتال كونترول” والإصلاحات”، كما أكّد شمّاس.
فإمكانية الحصول على 15 مليار دولار، أمر محتّم كما أكّد الخبير الإقتصادي وليد أبو سليمان لـ”نداء الوطن”، اذ قال إن “لبنان يمكنه أن يحصل على أكثر من 4 مليارات دولار من صندوق النقد على شكل قروض طبعاً، وهي 10 أضعاف الكوتا المسموحة بها للبلد”. وإذ لفت الى أنه “صحيح أنه يمكن تحريك العجلة الإقتصادية من خلال تلك المبالغ، سأل “ماذا عن ودائع المئة مليار دولار، فماذا سنفعل بها؟”.
الإحتياطي الإلزامي والدعم
لم يقتصر تصريح سلامة للوكالة الفرنسية عند المبالغ التي يمكن إدخالها الى البلاد فور التفاوض رسمياً مع صندوق النقد، بل تطرّق الى الإحتياطي الإلزامي وسعر الصرف ايضاً.
وفي السياق، أعلن أن الاحتياطي الإلزامي، “يبلغ اليوم 12,5 مليار دولار” بعدما كان بقيمة 32 مليار دولار قبل بدء الأزمة الاقتصادية منذ عامين”. وبذلك يكون تراجع بنحو 19.5 مليار دولار، قيمة 9 مليارات دولار منها خصصت للدعم الذي انفق هدراً واستفادت منه دول الجوار بسبب استفحال التهريب الى سوريا.
وهنا ذكّرت مقالة الوكالة الفرنسية أن “المصرف المركزي رفع تدريجاً خلال الأشهر الأخيرة الدعم عن استيراد سلع رئيسية خصوصاً المحروقات، التي باتت تسعّر وفق سعر الصرف في السوق السوداء الذي لامس عتبة الـ30 ألف ليرة في مقابل الدولار خلال الشهر الحالي. كذلك، رفع الدعم جزئياً عن استيراد الأدوية، وهو ما يرتب كلفة مرتفعة على المواطنين الذين يكافحون لتأمين احتياجاتهم الرئيسية”.
ولكن من خلال فائض متبق لديه بقيمة 1,5 مليار دولار، أكّد حاكم “المركزي” أنه يمكن لمصرف لبنان، تمويل ما تبقى من سلع مدعومة لفترة تتراوح “بين ستة وتسعة أشهر على الأقل”، ما لم يُصر الى اتخاذ اجراءات إضافية للجم ارتفاع الدولار في السوق الموازية.
أسعار الصرف
وبالنسبة الى سعر صرف الليرة إزاء الدولار الأميركي، أقرّ الحاكم أنّ “سعر الصرف الرسمي المثبت على 1507 ليرات للدولار، المعتمد رسمياً منذ العام 1997، “لم يعد واقعياً اليوم” بعدما “خدم” لبنان وجعل “الوضع الاقتصادي والاجتماعي جيداً خلال 27 عاماً”، كما قال.
وفي ظل تعدّد أسعار الصرف داخل المصرف المركزي وفي السوق الموازية، أوضح سلامة أنّه “لا يمكن توحيد سعر الصرف في الوقت الراهن، بمعزل عن تحقيق استقرار سياسي وقبل التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
وحول المحادثات التي يجريها لبنان منذ أسابيع مع ممثلين عن صندوق النقد، قال إنها ما زالت “في مرحلة الأرقام” فيما “لم يقدّم اللبنانيون خطة بعد الى صندوق النقد لتتم مناقشتها”.
وبعدما أدّى التباين في تقدير حجم الخسائر المالية بين المفاوضين اللبنانيين، الى تعليق جلسات تفاوض عقدتها الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب مع صندوق النقد، بناء على خطة إنقاذ اقتصادية وضعتها العام 2020، توصلت اللجنة المكلفة من الحكومة الحالية التفاوض مع الصندوق الى تقدير حجم الخسائر المالية بـ69 مليار دولار من دون التوافق بعد على كيفية توزيعها.
وبانتظار بلورة الجدل السياسي البيزنطي، ولعبة شدّ الحبال بين اركان المنظومة السياسية، تبقى الخطة الإصلاحية المزمع الخروج بها من قبل الحكومة، الخلاص الوحيد للسير على “سكّة” التفاوض مع صندوق النقد الصحيحة والحصول على الثقة الدولية ومعها القروض المنتظرة بفوائد مدعومة. فهل نصل الى تلك المرحلة؟