جاء في “أخبار اليوم”:
ما كان ينقص في ظل القرف واليأس من التدهور في أحوال البلد والتقاعس عن ايجاد أي حلّ سوى ما رأيناه منذ الأمس من جنون الجيوش الالكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي بين جمهوري “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”. وكأنها معركة داحس والغبراء. لم يتبرّع أحد لإيقافها أو حتى لم يعد أحد في استطاعته وقف حدّ لهذا الجو الذي بدأ مع نواب الطرفين وانتقل الى الجمهور الافتراضي. فما أفق هذا السجال؟ وما موقف “حزب الله” من حليفيه الرئيسين على أبواب الانتخابات النيابية؟
الخلاف ليس محصوراً بالخلاف القضائي، هو قديم، إذ لا كيمياء بين “الحركة” و”التيار”، وحتى ورقة التفاهم التي قيل منذ حوالى السنتين أنه يتم العمل عليها بينهما بقيت في اطار الكلام. كما أن محاولات رأب الصدع التي حاول “حزب الله” القيام بها لم تنفع، وهي تؤثر سلباً عليه في الدرجة الأولى. ووفق مصادر معنية فإنه من الواضح أن “الحزب” فاقد السيطرة حالياً على كل الحالة التي كان يعتمد عليها، بمعنى آخر هو فشل في الحفاظ على الحد الأدنى من الترابط بين الفريق المكوّن من حلفائه جميعهم، وثمة صعوبات كثيرة في جمعهم، وفي شكل أساسي العلاقة المتردّية جدّاً بين “التيار” و”الحركة”. ناهيك بالعلاقة السيئة أيضاً بين “التيار” وكل من “المردة” و”القومي” جناح أسعد حردان. كل ذلك يدلّ الى الفشل في جمع هذا الفريق المتحالف استراتيجياً والمتخاصم داخلياً الى حدّ العداوة.
لا شك أن الأبرز والأخطر في الخلاف بين “التيار” و”أمل” ليس انعكاس تداعياته انتخابياً فقط بل أيضاً سياسياً واجتماعياً وإدارياً مما أدى الى شلل البلد، إذا جاز التعبير، من دون رغبة أي طرف في التوقف والنزول عن الشجرة والعودة الى لغة العقل. لا يخفى أن الثنائي أساء إدارة ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت منذ أن فوّت على نفسه فرصة تحويل التحقيق الى المجلس النيابي نزولاً عند طلب المحقق العدلي القاضي فادي صوان حيث كانت الكلفة أقل بكثير، أما اليوم فثمة محاولة للعودة الى هذه المقايضة لكن لم يعد من أحد يريد أو قادر على مجاراة الثنائي بالأمر.
أما لناحية “التيار”، فلا شك في أن كلفة تصحيح العلاقة مع الثنائي ستكون حالياً أقلّ بكثير مما هي قرب موعد الانتخابات النيابية، بما فيه مع “الحليف” حزب الله. فصحيح أن علاقة قيادتي “الحزب” و”التيار” جيّدة، لكن من يتابع تصاريح بعض النواب والمسؤولين وتغريدات وتعليقات جمهور الفريقين على التواصل الاجتماعي يرى أن القاعدة العونية أصبحت في مكان آخر. ورغم تشكيل لجنة من الطرفين لتصحيح ما يعتري تفاهم مار مخايل من الالتباسات وتقويم العلاقة وتصحيح الخلل، إلا أنها لم تجتمع ولم تقم بأي أمر. وإذا كان “الحزب” يعاني بسبب حلفائه، إلا أن “التيار” يعاني أيضاً من النواحي كلها وهو حزب العهد، ومن الواضح التخبّط الذي يعيشه في معظم الملفات، ونحن على أبواب الانتخابات النيابية فهو يحاول المحافظة على قوته النيابية لما بعد عهد الرئيس المؤسس لـ”التيار” العماد ميشال عون. فكيف سيذهب “التيار” الى تحالف انتخابي ليحافظ على الأقل على أكبر عدد ممكن من النواب في ظلّ هذا الخلاف الكبير بينه وبين “أمل” رغم تحالفه مع “الحزب”، خصوصاً أنه محكوم بالتحالف مع “الحركة” حيث الدوائر مشتركة كبعبدا وبيروت الثانية والبقاع وجبيل؟
والخوف ان التسونامي الذي حصده العماد ميشال عون سنة 2005 وصمد الى حد كبير حتى انتخابات 2018 يشكو حالياً من خطر تراجعه في ظل ضبابية وضياع وعدم وضوح استراتيجية القيادة الحالية لـ”التيار” السياسية والانتخابية.