لن يتمكّن أبو داني هذا العام من شراء ثياب جديدة أو هدايا لطفليه يفاجئهما بها خلال أعياد نهاية السنة، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنه بالكاد يؤمّن الحاجات الأساسية لعائلته المكوّنة من أربعة أفراد.
ويقول معيل العائلة الذي يعمل في تصميم الغرافيك في إحدى دور النشر مقابل راتب 4 ملايين ليرة لبنانية (نحو 180 دولاراً)، إنه وعائلته استغنوا منذ عامين عن الكثير من العادات بعدما «قضت الأزمة الاقتصادية في لبنان على كل شيء… ولم تترك مجالاً للفرح»، على حد تعبيره.
ورغم أن أرباب العمل ضاعفوا أجره في مايو (أيار) الماضي، يشرح أبو داني أن راتبه تآكل مرة أخرى بسبب الهبوط الإضافي لسعر صرف الليرة: «راتبي أقل من 200 دولار! العيد بالنسبة للكثير من اللبنانيين أصبح كباقي الأيام يمر مرور الكرام».
ويشير رئيس جمعية تجار الأشرفية، طوني عيد، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الأزمة التي يعيشها اللبناني أثّرت على حركة البيع بشكل كبير بسبب هبوط قيمة الليرة اللبنانية وتراجع القدرة الشرائية لأغلبية المواطنين». ويوضح أن «الحركة في الأسواق ما زالت خفيفة جداً»، ويقول إنه مقارنةً مع السنوات الماضية قبل استفحال الأزمة الاقتصادية، فإن حركة البيع تراجعت بنسبة 85%، وعادةً ما كانت تشهد الأسواق في شهر ديسمبر (كانون الأول)، شهر الأعياد، حركة أنشط. لكنّه يؤكد أن تعويل التجار في هذه المرحلة على المغتربين والسياح لتحريك السوق اللبنانية، هذا إذا جاءوا.
من جهته، يوضح رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو، لـ«الشرق الأوسط»، أن ارتفاع أسعار بعض السلع يتجاوز ارتفاع سعر صرف الدولار، حتى إن انخفاض سعر الصرف لا يترافق دائماً مع انخفاض أسعار السلع. ويقول: «أرقام الإحصاء المركزي تشير إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية 20 ضعفاً، والوضع نفسه ينسحب على السلع الأخرى، فالأسعار مستمرة في الارتفاع ولا تتراجع مقابل المزيد من انعدام القدرة الشرائية للفرد». ويضيف: «نحن أمام انهيار شامل وكامل».
وأظهرت إدارة الإحصاء المركزي في لبنان أن معدّل التضخم شهد ارتفاعاً بلغ 137.75% في أغسطس (آب) 2021 مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2020، حسب بيانات رسمية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 20.82%.
ويوضح الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «القدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني تآكلت نتيجة التضخم الحاصل في الأسعار مقابل بقاء مدخول الفرد أو العائلة على حاله»، مؤكداً أن «الانخفاض الإضافي لسعر صرف الليرة الشهر الماضي فاقم انعدام القدرة الشرائية».
وتشير الأرقام الرسمية الصادرة من إدارة الإحصاء المركزي إلى أن مؤشر الأسعار على الاستهلاك ارتفع إلى ما نسبته 560%، أي أن الأسعار ارتفعت 5.6 ضعف منذ بدء الأزمة، لكن عجاقة يقول: «رغم أن هذه الأرقام رسمية وموضع ثقة، فإن الأرقام تدل على أن ارتفاع الأسعار وصل إلى 10 و15 ضعفاً»، بحسب اعتقاده، فإن «ارتفاع مستويات تضخم الأسعار كبير جداً لدرجة تتخطى الـ1000%».
وحسب تقرير أعدته «الإسكوا» في سبتمبر (أيلول) الماضي، تفاقم الفقر في لبنان وأصبح يطاول 82% من مجموع السكان، ويشير عجاقة إلى أن مليوناً و250 ألف عائلة في لبنان تعيش في فقر، منها ما نسبته 70% يتأثرون بالشق الغذائي، في حين يعيش 40% في فقر مدقع، أي أن مدخول تلك العائلات في اليوم أقل من دولارين.
ومن هذا المنطلق، يوضح أن «الأعياد في لبنان لن تكون كما كانت سابقاً»، ويفسّر ذلك بأن «الأرقام المذكورة تعني أن هناك أكثر من 500 ألف عائلة لن يختلف العيد بالنسبة إليها عن باقي أيام السنة. أما الأسر التي هي في الفقر متعدد الأبعاد وتقدَّر بنحو المليون، فعلى أحسن تقدير ستكون الأعياد بالنسبة إليها عبارة عن اجتماع عائلي».
وينبّه إلى أنه «في حال عدم الوصول إلى حل سياسي يؤدي إلى التفاهم مع صندوق النقد الدولي، سيكون عنوان المرحلة القادمة التضخم أكثر فأكثر»، ويشير إلى أن «التفاوض مع صندوق النقد يتطلب وقتاً وإصلاحات جدية مطالَب بها لبنان للحصول على الأموال».
وإذ يوضح عجاقة أن «أساس الأزمة اقتصادية نابع من هيكلية اقتصادية ضربتها السياسات الحكومية وتراكم عدد من الأحداث»، يرى أن هناك خمس خطوات على حكومة ميقاتي القيام بها بشكل سريع للتخفيف من التضخم: أولاً محاربة التطبيقات التي تعلن عن أسعار صرف الدولار، والتي حسب عجاقة، تتحكم بها مجموعة من التجار والمستفيدين من ارتفاع وانخفاض أسعار الصرف. الخطوة الثانية محاربة الاحتكار. أما الثالثة فتقوم على وقف التهريب «الذي ما زال مستمراً»، وفقاً له. أما الخطوة الرابعة فهي إلزام التجار القبض بالبطاقات المصرفية. وخامساً إقناع المصدّرين بإرجاع دولاراتهم إلى لبنان، وهنا يقع على عاتق حكومة ميقاتي تقديم ضمانات لهؤلاء بحرية التصرف في أموالهم.