كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
آخر سني الولاية هي الأبقى في ذاكرة المرحلة التالية، وهي الصورة الأخيرة المحفوظة للرئيس المغادر. يكاد لم يمرّ رئيس للجمهورية في تاريخ لبنان لم تكن السنة الأخيرة في ولايته هي الأمرّ عليه.
في السنة الأخيرة في ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، تضاعفت الأعباء. أمامها استحقاقان دستوريان كبيران، هما الانتخابات النيابية العامة وانتخابات رئاسة الجمهورية. كلاهما يتربص بالآخر تبعاً لمعادلة: أي برلمان ينتخب الرئيس المقبل: الحالي بأن يُمدّد له، أم برلمان جديد منتخب؟
ما دامت المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الخلف ما بين آب وتشرين الأول 2022، أمام الأشهر التسعة المقبلة استحقاقات سياسية واقتصادية ليست أقل خطراً أو أسهل حلولاً. تراكم الاستحقاقات هذه يحمل الرئيس على التساؤل: «لا أعرف من أين تأتي مشاكلنا. بعضها يأتي من بعض. كأنه مخطط لها في بلد مفتوح على كل كبيرة وصغيرة، لم يعد في الإمكان بسهولة جبهها».
بيد أنه يضيف: «هذه السنة سنضع الحلّ على سكته».
يتوسّع أكثر في عرض الملفات الشائكة: «قلت مراراً إنني أريد أطيب العلاقات وأفضلها مع السعودية. ناديت بما يمكن تسميته مأسستها، كي لا تتأثر في كل مرة بفرد ما أياً يكن. ليس في كل مرة يتسبب فرد بأزمة علاقات بين البلدين. الآن وزير الإعلام جورج قرداحي بسبب تصريح. قبلاً الرئيس سعد الحريري قبل الوصول إلى 4 تشرين الثاني 2017 ثم بعدها. أمضينا سنة ونصف سنة لتأليف حكومة من أجل أن يصالح السعودية. عندما أخفق اعتذر عن عدم تأليف الحكومة. الآن المشكلة قائمة. لا وسيط بيننا وبينها، لأن أصل الحل في التحدث المباشر مع المملكة. لكنه مقطوع الآن. مع رئيس الحكومة كذلك. ثمّة إشارات معالجة نحاول العمل عليها بكتمان، علّها تأتي بنتائج إيجابية من أجل فتح الحوار».
عندما يُسأل هل يُعزى الموقف السعودي السلبي، ومن خلاله الخليجي، إلى تحالفه مع حزب الله؟ يجيب: «هو أولاً تفاهم وليس تحالفاً. الجميع يعرف، العرب والأميركيون والأوروبيون، أنني لا استطيع محاصرة حزب الله الذي يحترم بالنسبة إليّ قواعد ثلاثاً أساسية لا غنى عنها: القرار 1701، الاستقرار الداخلي، عدم التعرّض لسفراء الدول التي صنّفته حكوماتها منظمة إرهابية أو رعاياهم كالأميركيين والبريطانيين والألمان ودول عربية. أما إذا كان الأمر مرتبطاً بما يجري في اليمن، فهو شأن آخر. لا خلاف بيني والسعودية، وكانت أولى الدول زرتها بعد انتخابي (9 كانون الثاني 2017). لا علم لي أنها كانت ضد وصولي إلى رئاسة الجمهورية، ولم أتلقَّ منها علامات سلبية مرتبطة بي بالذات. ما أعرفه أن أزمتنا معها بدأت يوم انهارت علاقتها بسعد الحريري وحدث ما حدث في تشرين الثاني 2017. كان ذلك بداية الخلاف».
لا يتحمّس لإقالة الوزير في مجلس الوزراء، ويفضّل أن يكون القرار شخصياً يتخذه قرداحي. يلتقي عون مع الرئيس نجيب ميقاتي على مقاربة مشتركة للنزاع الناشب من حول المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار: «ليس للسلطة الإجرائية التدخل في مسألة لا تدخل في اختصاصها. للقاضي مرجعية تحاسبه إذا أخطأ. هي المعنية ولسنا نحن. أنا مصرّ على تأكيد فصل السلطات». بيد أنه يلاحظ أن لا رابط بين الخلاف على هذه المسألة وتعطيل اجتماعات مجلس الوزراء: «عندما يكون ثمّة مَن يصرّ على تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء، لا أرى بداً من جلسات المجلس الأعلى للدفاع. كل الأجهزة ممثلة فيه لمعالجة المشكلات التي تئن منها القطاعات الحياتية».
يذهب عون من ثم إلى صلب المشكلة الآنية: «لن أوقّع مرسوماً يدعو الهيئات الناخبة إلى 27 آذار للاقتراع. إذا أتاني سأرده من حيث أتى كي يصار إلى تعديله. لن أوافق على انتخابات نيابية سوى في أحد موعدين: 8 أيار أو 15 أيار. بعد 15 أيار لا يعود أمامنا سوى أسبوع لانتهاء الولاية القانونية لمجلس النواب (21 أيار 2022)، ما يقتضي أن يكون انتخب برلمان جديد قبل الوصول إلى هذا اليوم. أكثر من مرة شرحت وجهة نظري. قلت إن 27 آذار يحرم آلاف اللبنانيين الذين يبلغون السن من الاقتراع، أضف الظروف المناخية غير الملائمة في هذا الوقت. لم يسبق أن جرت في لبنان انتخابات نيابية سوى في أيار أو حزيران. حتى في حالات حل مجلس النواب، كان يدعى إلى انتخابات في الربيع، وليس في الشتاء. يبدأ صيام رمضان في مطلع نيسان ويختتم في آخره، ما يتيح إجراء الاقتراع في الأسبوع التالي أو الأسبوعين التاليين. أما المتذرّعون بتعذر إجراء حملاتهم الانتخابية في شهر الصوم، فلا جواب أبسط من القول إن مَن لم يُعدّ لحملته قبل صيام رمضان لا حاجة إليها إبانه أو بعده. ثم في نيسان يمر جزء من صيام المسيحيين».
يُعوّل رئيس الجمهورية على دور المجلس الدستوري في تثبيت ما أكده هو في قانون الانتخاب، وتبنّاه تكتل لبنان القوي في مراجعة الطعن التي تقدّم بها الأربعاء الفائت. يتمسك عون بـالـ«ميغاسنتر»، والاقتراع لستة نواب قاريين تبعاً لما نصّ عليه قانون الانتخاب المقرّ عام 2017: «من خلال ميغاسنتر نقلل من مقاطعة الاقتراع تحت وطأة حاجة الناخبين إلى الانتقال إلى أماكن بعيدة حيث مساقطهم كي يقترعوا، فيصوّتوا حيث هم. لا نحتاج إلى جهد طويل وكبير لتجهيز الـ«ميغاسنتر» التي لا تعدو كونها شبكة إلكترونية. بها نقلل المقاطعة، ونقطع دابر الرشوة من خلال نقل الناخبين في باصات المرشحين».
ينتظر من المجلس الدستوري تفسير النصاب القانوني للغالبية الحالية الناجمة عن تناقص النواب بالاستقالة والوفاة: «ليس للمجلس الدستوري النظر في موعد إجراء الانتخابات الذي هو من صلاحية الحكومة عبر وزير الداخلية. قانون الانتخاب بدوره جُرّد من تحديد الموعد الذي كان أُدرج فيه سابقاً، وهو 27 آذار، واكتفت الجلسة الأخيرة لمجلس النواب بتوصية ترشح هذا الموعد. توصية غير ملزمة للحكومة ولا لوزير الداخلية، وغير معني بها المجلس الدستوري، وحتماً لا أثر لها عليّ. الصواب هو تأكيد ما نصّت عليه المادة 57 في الدستور بتحديدها الغالبية التي يتألف منها المجلس قانوناً، أي 65 نائباً. تمسّكي بالمادة 57 ليس أقل منه تشبثي بالمادة 53 والمادة 52 والمادة 59 التي نفضت عنها الغبار وكانت المرة الأولى تطبّق مذ وُضع الدستور عام 1926. عندما تعطي المادة 56 رئيس الجمهورية حق الطلب من مجلس الوزراء إعادة النظر في قراراته، والمادة 57 عندما تعطيه حق الطلب إعادة النظر في القوانين، فذلك يعني إقراراً بمسؤوليته الدستورية في السهر على اتخاذ القرارات والقوانين. لا يجدون ما يقولونه عن التزامي صلاحياتي الدستورية سوى أنني ديكتاتوري».
أما ما يتردّد عن احتمال تعطيل نصاب المجلس الدستوري لمنع إبطال مواد في قانون الانتخاب «فسنكون عندئذ أمام فضيحة تبدأ بالمجلس الدستوري نفسه. صحيح أن هذا التعطيل حدث قبلاً عام 2013. الآن يصعب تحمّل فضيحة يراقبها المجتمع الدولي. ليس لدى السفراء الذين يزورونني سوى السؤال عن الانتخابات النيابية والإصرار على حصولها. في كل مرة أُسأل أجيبهم: لا خطر على الانتخابات إلا إذا أراد أحد ما تعطيلها. فليفصح عن نفسه هذا الأحد».
يقول رئيس الجمهورية: «لا تمديد لمجلس النواب، ولا داعي للتفكير فيه حتى. المهل لا تزال متاحة أمامنا، ولسنا محرجين حتى الوصول إلى 8 أيار على الأقل. لا سبب لعدم إجراء الانتخابات النيابية. لكنني لن أوافق على حصولها في 27 آذار. لن أوقّع المرسوم، وأنصح بعدم إرساله إليّ لأنني سأردّه. المرسوم العادي لا تسري عليه المهل الملزمة، شأن المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء، ولا يسع أحد فرضه على رئيس الدولة. إذا أرسلوا إليّ مرسوماً بـ8 أو 15 أيار فأهلاً وسهلاً».
يضيف: «فعلاً لا أعرف سبب المناكفات على موعد الانتخابات، ومبرّر الاستعجال. لسوء الحظ أن السفراء الذين يحضرون إليّ ملمّون بخلافات كهذه ومطلعون على جرصتنا».
يرفض أن يُساق إليه اتهام أن عدم توقيع مرسوم 27 آذار يحمّله مسؤولية تأخير الانتخابات. يجيب: «لا تبكير ولا تأخير. المهلة القانونية معروفة ومحددة في الدستور لإجراء الانتخابات النيابية قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي».
عندما يُسأل هل يرى ترابطاً بين الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية، يردّ بالإيجاب: «الانتخابات النيابية ستجرى، وهي الثانية في ولايتي، ولن يستطيع أحد وقف دورتها. أما الانتخابات الرئاسية فشأنها مختلف. لن يأتي بعدي رئيس كما قبلي. لن يكون بعد الآن رئيس للجمهورية لا يمثّل أحداً، ولا يمثّل نفسه حتى، بل ابن قاعدته. إذا وصلنا إلى نهاية الولاية سأترك قصر بعبدا حتماً لرئيس يخلفني. أخشى تعذّر انتخاب خلف لي، فيكون على الحكومة القائمة تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، لأنها صاحبة المسؤولية المنوطة بها دستورياً. أخشى أن ثمة مَن يريد الفراغ. أنا لن أسلّم إلى الفراغ».
إذا لم تكن ثمّة حكومة أو حكومة تصريف أعمال؟
يجيب: «الكلمة عندئذ للمجلس النيابي الذي يقرّر».
وإذا لم يعد ثمّة مجلس نيابي؟
يجيب: «هل يُعقل أن لا يبقى هناك أحد؟».