كتب بشارة شربل في نداء الوطن:
ليس الأب منصور لبكي أول رجل دين في العالم يرتكب اعتداء جنسياً على قاصرين ولن يكون الأخير. فـ”الثوب لا يصنع الكاهن” كما يقول المثل الفرنسي، ومن حق الناس الحذر التاريخي من ثلاثة يتسترون بالأثواب هم الضباط والقضاة ورجال الدين، إذ إنهم في مواقع سلطة استثنائية فيما هم بشر عاديون، ونفس بعضهم “أمَّارة بالسوء” وفقدان الضمير.
منذ أثيرت قضية لبكي في 2012 في الفاتيكان، قلنا إن ورثة القديس بطرس ليسوا جهاز مخابرات يفبرك الاتهامات، ولا حكمهم ضد أحد الكهنة صادراً عن محكمة عسكرية واجبة الإلغاء، أو نتيجة تواطؤ وضغط من “نظام أمني” على قضاة خائفين أو مستتبعين. حينها ثارت ثائرة كثرة من المؤمنين انطلاقاً من “يا غيرة الدين” أو رفض “نشر الغسيل الوسخ” على الملأ لئلا يزعزع علاقة الكنيسة بالرعايا ويجعل من سمعة أحد المرتكبين فيها ذريعة لاستهدافها.
أخطأت الكنيسة المارونية حين حَمَت الأب لبكي بعدما صار مطلوباً للتحقيق في فرنسا حيث ارتكب معظم أفعاله أثناء رعايته ميتماً للاجئين اللبنانيين، وخطيئتها عظيمة لأنها أول العارفين أن فرنسا ليست دولة ميليشيات، بل دولة قانون لا افتراء فيها على مواطن أو أجنبي، وأن حقوق الدفاع مضمونة في جمهورية تقاضي رؤساءها مثلما تقاضي أي مجرم عادي حقير. أما الخطيئة التي يصعب ان يغفرها الصوم والصلاة وفعل الندامة فهي تجاهل حقوق الضحايا وعدم الاكتراث بالندوب التي خلفها معتد متسلسل استطاع الفرار حتى الآن من قفص العدالة والقصاص.
مشكلة الكنيسة الحامية للبكي هي مع نفسها أولاً لأنها لم تلتزم ما جاء في الانجيل: “تعرفون الحق، والحق يحرركم”، ومع المؤمنين من أتباعها ثانياً كونها ناقضت جوهر الايمان المسيحي الذي لا يقبل اعتداء على نفس بشرية، ويرفض أن تسود شريعة الفريسيين والذين وجد الشيطان الى نفوسهم وأفعالهم سبيلاً.
رُبَّ قائل إن حرمان كاهن تجاوز الثمانين من تولي الشعائر وعزله عن الإعلام وإبعاده عن النشاط الكنسي الرعوي عقوبات كافية وفيها عذاب نفسي أشد من العقاب العادي، لكن ذلك لا يستقيم بميزان العدالة في دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون لأي دين انتموا أو اي مركز ديني او دنيوي اعتلوا.
مسؤولية المسيحيين في إعطاء المثل الصالح عن احترام القانون أكبر من مسؤولية الآخرين، ذلك انهم أكثر المطالبين بقيام “دولة القانون” التي تساوي بين الأفراد وليست تلك المستلهمة مبدأ “درء الفتنة” العشائري الذي يضمر تجاوز القانون الوضعي. لذلك فإن عدم ترك القضاء اللبناني يأخذ مجراه مسيء الى مطلبهم التاريخي بقيام دولة حديثة وحضارية مرجعيتها العدالة المدنية، التي يتوجب أن يخضع لها كل مواطن مهما علت رتبته السياسية او العسكرية أو الدينية.
15 عاماً سجناً للأب لبكي، عقوبة فرنسية لن تعيد كرامة من امتهنت كرامتهن، إنما تبلسم بعض الجراح. أبسط واجبات الكنيسة في لبنان الخروج من الصمت وإدانة المرتكب ورفع الحماية ليأخذ الحكم الفرنسي مجراه.