كان رياض سلامة، الحاكم السابق لمصرف لبنان (المركزي)، يلقى حفاوة كبيرة في معظم دول العالم باعتباره خبيرًا ماليًا كبيرا قبل أن تنهار صورته أمام قضايا فساد في الداخل والخارج وانهيار مدمر للقطاع المصرفي في البلاد.
ولسنوات طويلة، كان كثير من اللبنانيين ينظرون إلى رياض سلامة بصفته العمود الفقري للنظام المالي اللبناني حتى انهياره في 2019، وإفقار عدد كبير من المواطنين وتجميد ودائع معظم المدخرين في القطاع المصرفي.
رياض سلامة.. المولد والنشأة
ولد رياض سلامة يوم 17 يوليو/تموز 1950 في بلدة كفردبيان في منطقة المتن بجبل لبنان، أنهى دراسته الثانوية في مدرسة سيدة الجمهور للآباء اليسوعيين، ثم التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، ونال درجة الإجازة (بكالوريوس) في الاقتصاد.
وبعد دراسته الجامعية التحق بشركة ميريل لينش المالية العالمية في باريس، وتدرج في المناصب بين عامي 1973 و1985، حتى عُيّن نائبًا لرئيس الشركة ومستشارا ماليًا.
رياض سلامة.. الوظائف والمسؤوليات
شغل العديد من الوظائف منها: رئيس هيئة الأسواق المالية اللبنانية، رئيس المجلس المركزي لمصرف لبنان، رئيس الهيئة المصرفية العليا، رئيس هيئة التحقيق الخاصة، عضو في مجلس محافظي صندوق النقد الدولي، عضو في مجلس محافظي صندوق النقد العربي، حاكم مصرف لبنان المركزي منذ عام 1993.
الجوائز والأوسمة
حاز رياض سلامة على عدد من الجوائز منها، أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم العربي عام 1996، وسام جوقة الشرف الفرنسية من رتبة فارس عام 1997، ثم الوسام نفسه لكن برتبة ضابط عام 2009، جائزة مجلة غلوبال فاينانس باعتباره أحد أفضل 20 حاكما للمصرف المركزي عام 2004، جائزة يورموني باعتباره أفضل حاكم مصرف مركزي في الشرق الأوسط عام 1996.
وحصل على جائزة يورموني باعتباره أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم عامي 2003 و2006، وجائزة أفضل حاكم مصرف مركزي عام 2009 من مجلة بانكر.
رياض سلامة وتحقيق سويسري
بدأت تحقيقات فساد أُعلن عنها في وقت سابق وتركزت على العمولات التي فرضها البنك المركزي على البنوك مقابل شراء الأوراق المالية الحكومية التي ذهبت عائداتها إلى شركة فوري أسوشيتس التي يسيطر عليها رجا شقيق رياض سلامة.
وبدأت هذه التحقيقات بتحقيق سويسري عن احتمال حصول سلامة وشقيقه رجا بشكل غير قانوني على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي بين عامي 2002 و2015، وكان الأخوان سلامة قد نفيا في وقت سابق تحويل أو غسل أي أموال عامة ونفيا ارتكاب أي مخالفات.
وترك سلامة منصبه في يوليو/تموز 2023، وقال لرويترز حينذاك إنه “عمل وَفق للقانون واحترم الحقوق القانونية للآخرين”.
رياض سلامة ومذكرة التوقيف الفرنسية الألمانية
أصدرت السلطات الفرنسية والألمانية مذكرتي توقيف بحق سلامة العام الماضي، وأشارت نشرتان باللون الأحمر صادرتان عن الإنتربول إلى أنه مطلوب في كلا البلدين. وأشارت النشرة الحمراء الصادرة بناء على طلب فرنسا إلى بعض الاتهامات منها غسل أموال منظم، بينما جاء في النشرة الصادرة بناء على طلب ألمانيا أنه مطلوب في اتهامات تتعلق بغسل الأموال أيضا.
وقال سلامة العام الماضي إن محاميه قدموا طعونا قانونية على مذكرتي الاعتقال في فرنسا وألمانيا.
وفي يونيو/حزيران الماضي، ألغت السلطات الألمانية مذكرة اعتقالها بحق سلامة لأسباب فنية، لكنها واصلت تحقيقاتها وأبقت على تجميد أصوله.
رياض سلامة دعم رفيع المستوى
تميزت صورة سلامة باعتباره أمينا مقتدرا على النظام المالي عن صورة أفراد النخبة الحاكمة الذين كان كثيرون منهم قادة فصائل مسلحة في الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، لكنه كان يحظى بدعم رفيع المستوى منهم.
وكان سلامة دائم الحضور في المؤتمرات المالية الدولية وحصل على جوائز كثيرة في المجال المصرفي وتمتع بصلاحيات واسعة بحكم منصبه، لكن علاقاته بالنخبة تآكلت فيما يبدو مع انتهاء ولايته.
وفي مقابلة مع إحدى الإذاعات اللبنانية قبل أن يترك منصبه، سُئل سلامة عما إذا كان الساسة قد انفضوا من حوله، فقال إن هذا حدث منذ فترة طويلة.
ودافع سلامة عن فترة ولايته قائلا إنه استُخدم ككبش فداء لهذا الانهيار وإن الحكومة، وليس البنك المركزي هي المسؤولة عن إنفاق الأموال العامة.
رياض سلامة.. الرئيس المحتمل
جاء الانهيار المالي في لبنان بعد عقود من الفساد والانغماس في التبذير من جانب النُخب الحاكمة، وحمَّل كثير من اللبنانيين سلامة وهذه النخب المسؤولية.
وما حدث كان تحولا كبيرا لرجل كان يُنظر إليه في السابق على أنه رئيس محتمل للبنان، وكان دائم الحضور في المؤتمرات المالية الدولية وحصل على كثير من الجوائز في المجال المصرفي وتمتع بصلاحيات واسعة بحكم منصبه.
رياض سلامة وبداية الانهيار
حصل المدخرون على أسعار فائدة مرتفعة وتمكنوا من تحويل عملتهم المحلية إلى الدولار بسعر صرف ثابت حافظ عليه سلامة منذ عام 1997 حتى وقت الانهيار المالي.
وزاد من ثقتهم في نظامهم المالي طريقة سلامة الهادئة وتصريحاته بأن الليرة في وضع جيد، وكذلك نجاح لبنان في تجاوز الأزمة المالية العالمية في 2008، لكن الأوضاع المالية بدأت تتعثر مع تباطؤ التحويلات بالدولار، مما زاد من الضغوط على نظام مالي يتطلب تدفقات مستمرة من العملة الصعبة للصمود.
وأبقى سلامة على النظام المالي قائمًا في 2016 من خلال سحب الدولارات من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة، ووصف منتقدون هذه الخطوة بأنها شكل من مخططات الاحتيال، لأنها تعتمد على الحصول على قروض جديدة من أجل سداد الديون القائمة.
وكثيرا ما قال مصرف لبنان إن عملياته قانونية، ورفض سلامة أن يكون المصرف أُدير بمخطط احتيال.
اعتقال رياض سلامة
كان القضاء اللبناني، قد أمر اليوم الثلاثاء، بحبس الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة، المستهدف بتحقيقات عدّة في لبنان والخارج، بعد استجوابه بشأن قضية اختلاس أموال.
وقالت الوكالة الوطنية للإعلام “النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار أمر بتوقيف سلامة، بعد استجوابه على مدى 3 ساعات بشأن شبهات اختلاس من مصرف لبنان تفوق 40 مليون دولار جرى تحويلها الى الخارج”.
وقال القاضي هنري الخوري -وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال- بعد حبس سلامة “قال القضاء كلمته، ونحترم قراره”.
وهذه أول مرة يمثل فيها رياض سلامة أمام القضاء، منذ انتهاء ولايته في 31 يوليو/تموز 2023، من دون تعيين بديل عنه.
وقال مصدر قضائي رفيع المستوى لرويترز إن السلطات ألقت القبض على سلامة بناء على اتهامات بغسيل أموال واحتيال واختلاس مرتبطة بشركة سمسرة لبنانية تُعرف باسم (أوبتيموم إنفست)، ضمن واحدة من تحقيقات عدّة يواجهها.
وقالت اللبنانية رين عبود الرئيسة التنفيذية لشركة (أوبتيموم إنفست) لرويترز إن الشركة أجرت تدقيقًا ماليًا في وقت سابق هذا العام لتعاملاتها مع مصرف لبنان المركزي ولم تجد أي دليل على ارتكاب الشركة أي مخالفات.
الجزيرة