بعد ثلاثة أسابيع من المناقشات المريرة في وسائل الإعلام الأمريكية والأخذ والرد داخل إدارة الرئيس بايدن نفسها، تحققت رغبة 61% من الأمريكيين الذين أرادوا تنحي جو بايدن٬ بحسب أحدث نتائج استطلاعات الرأي٬ وتنحى بايدن جانباً ليفسح المجال لنائبته كمالا هاريس.
وأكد بايدن أنه يؤيد هاريس لخلافته قبل 107 من موعد الانتخابات، في حين سارع كبار أنصار الحزب الديمقراطي٬ بالإضافة إلى أوباما وبيل وهيلاري كلينتون، إلى دعم هاريس والتبرع لحملتها لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي أمام المنافس القوي ترامب.
وفي أول تصريحاتها بعد قرار بايدن٬ قالت هاريس: “سأبذل كل ما في وسعي لتوحيد الحزب الديمقراطي، وتوحيد أمتنا، لهزيمة دونالد ترامب وأجندته المتطرفة.. أمامنا 107 أيام حتى يوم الانتخابات٬ سنقاتل معاً وسنفوز معاً”.
On behalf of the American people, I thank Joe Biden for his extraordinary leadership as President of the United States and for his decades of service to our country.
I am honored to have the President’s endorsement and my intention is to earn and win this nomination.
— Kamala Harris (@KamalaHarris) July 21, 2024
ورغم عدم تمتعها بخبرة أو كاريزما تنافس ما لدى ترامب٬ إلا أن التأييدات الكبيرة لترشيح هاريس والتبرعات المتدفقة لحملتها٬ إلى جانب مخاوف الديمقراطيين من إضعاف مرشحهم المفترض في مواجهة ما يعتبرونه تهديداً وجودياً أمام ترامب٬ تجعلها الأكثر ترجيحاً لأن تكون المرشحة الرئاسية لدى الديمقراطيين.
رحلة الصعود نحو البيت الأبيض.. من هي كمالا هاريس؟
يعد صعود كامالا هاريس (59 عاماً) كأول امرأة سوداء وأمريكية من أصل آسيوي تتولى منصب نائب الرئيس٬ إلى أن تصبح الآن قائدة لحزب رئيسي مثل الحزب الديمقراطي نحو أهم منصب في الولايات المتحدة٬ أمر تاريخي وغير مسبوق، كما يقول موقع The Conversation الأمريكي.
وُلِدت هاريس في أوكلاند في كاليفورنيا، وتخرجت من جامعة هوارد وجامعة كاليفورنيا من كلية هيستينغز للقانون. وتصنف كامالا على أنها هندية ومن أصحاب البشرة السوداء، لكنها ترى نفسها أمريكية بالدرجة الأولى.
نشأت هاريس في مدينة بركلي بولاية كاليفورنيا الأمريكية، واعتادت، منذ صغرها، على ارتياد كنيسة السود المعمدانية، حيث غنت مع أختها في جوقتها الموسيقية، واعتادت أيضًا على ارتياد أحد المعابد الهندوسية.
وبدأت هاريس، ابنة المهاجرين من الهند وجامايكا، حياتها المهنية كمدعية عامة، حيث قضت ما يقرب من ثلاثة عقود في إنفاذ القانون. وبدأت كمدعية عامة محلية، ثم أصبحت مدعية عامة لمنطقة سان فرانسيسكو قبل انتخابها كمدعية عامة لولاية كاليفورنيا في عام 2011. وشهد سباقها لمنصب المدعي العام في عام 2003 فوزها بأصوات أكثر من أي مرشح آخر يترشح لهذا المنصب على مستوى المدينة في ذلك العام٬ بعد هزيمتها لمرشح شغل ذلك المنصب لفترتين متتاليتين.
لم يتم الإعلان عن ترشح هاريس الأول لمنصب على مستوى الولاية في عام 2010 حتى بعد أسابيع من يوم الانتخابات، وفازت هاريس بأقل من نقطة مئوية٬ عن مرشح كان يحظى بشعبية كبيرة. وحتى يومنا هذا، لم تخسر هاريس أي انتخابات عامة، بما في ذلك ترشحها لمجلس الشيوخ في عام 2017.
وباعتبارها ثاني امرأة سوداء تُنتخب لمجلس الشيوخ الأمريكي على الإطلاق، فازت هاريس بمقعدها في ظل ظروف فريدة: فلأول مرة منذ بدأت كاليفورنيا التصويت المباشر على المقاعد في عام 1914، لم يتأهل أي جمهوري إلى جولة الإعادة الانتخابية للولاية على مقعد مجلس الشيوخ. بعبارة أخرى، كان على هاريس هزيمة مرشح ديمقراطي آخر للفوز.
تجربة هاريس في مجلس الشيوخ ومناظرتها لبايدن
بمجرد دخولها مجلس الشيوخ، عُينت هاريس في لجنتي الأمن الداخلي والاستخبارات، ثم في لجنة القضاء بمجلس الشيوخ، وهو ما منحها منصة لاستجواب مرشحي ترامب للمناصب القضائية٬ حيث اشتهرت هاريس باستخدام خبرتها في الادعاء العام لتعزيز “الأولويات الديمقراطية”.
ورغم أن أدائها في مجلس الشيوخ أصبح معروفاً بين الخبراء السياسيين، فإن أكثر لحظاتها شهرة٬ كانت قبل انتخابها نائبة للرئيس. حيث كان ذلك على حساب بايدن أثناء حملتها للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة في عام 2020.
كانت كامالا هاريس قد لفتت انتباه البلاد بإطلاق حملتها الانتخابية في أوكلاند بولاية كاليفورنيا قرب مسقط رأسها، حيث عمل والداها وعملت هي كمدعية عامة. ولكن في المناظرة الأولى للحزب الديمقراطي، استهدفت هاريس “بايدن” آنذاك بشكل مباشر، وانتقدت هاريس بايدن (التي أصبحت نائبة له لاحقاً) بسبب التعليقات التي أدلى بها حول السياسيين المؤيدين للفصل العنصري الذين خدم معهم خلال 36 عاماً قضاها في مجلس الشيوخ الأمريكي٬ خصيصاً أولئك في مجلس بلديتها المحلي٬ حيث قالت إنها كانت تمنع من ركوب الحافلة العامة وهي صغيرة بسبب لون بشرتها.
ورغم الأداء القوي الذي قدمته في المناظرة ضد بايدن، فإن حملة هاريس الرئاسية لعام 2020 كانت تعاني من الفوضى وغياب المقترحات السياسية المقنعة. فقد أدت استطلاعات الرأي المتقلبة وأرقام التمويل إلى تعليق حملتها قبل أشهر من مؤتمرات أيوا التمهيدية، وقبل وقت طويل من الإدلاء بصوت واحد في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية.
ومع ذلك، فإن أداءها القوي في المناظرات أثبت أنها سياسية جيدة٬ وخصم لا يستهان به في المناظرات٬ وقد تم استعراض هذه المهارات بشكل جيد بشكل خاص عندما استخدمتها ضد نائب الرئيس ترامب آنذاك٬ مايك بنس٬ في مناظرتهما عام 2020.
كيف كانت تجربة هاريس في منصب نائب الرئيس؟
رغم أن هاريس تركت مقعدها في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا بعد توليها مهام نائب الرئيس في عام 2021، إلا أن مجلس الشيوخ المنقسم بنسبة 50-50 بين الديمقراطيين والجمهوريين شهد قضاء هاريس جزءًا كبيرًا من وقتها في أول عامين لها في منصبها مع زملائها في المجلس٬ لتكون عاملاً حاسماً في التشريعات الرئيسية التي تدعمها إدارة بايدن-هاريس.
لكن خارج نطاق واجباتها كعضو في مجلس الشيوخ، قرر بايدن تكليف هاريس ببعض الحقائب الرئيسية للقيام بها. وكان أبرزها ملف الهجرة٬ وهي قضية صعبة بشكل خاص تظل نقطة ضعف انتخابية رئيسية للمرشحين الديمقراطيين في جميع أنحاء البلاد. حيث تعرضت لانتقادات واسعة النطاق بسبب جهودها غير الفعالة في معالجة “الأسباب الجذرية” لتدفق الهجرة القياسي إلى الولايات المتحدة.
لكن بشكل عام٬ كان حضور هاريس ضعيفاً في سنوات ترامب الرئاسية٬ حيث لم تكن تمتلك كاريزما لإقناع جميع الأمريكيين بها٬ وفي نفس الوقت لم تكن حاضرة كثيراً في العديد من الملفات الخارجية٬ على عكس بايدن عندما كان نائباً للرئيس أوباما.
بعد الأشهر التسعة الأولى من توليه منصبه٬ وأبرزها الانسحاب الأمريكي المثير للجدل من أفغانستان في سبتمبر 2021 لم تتجاوز معدلات تأييد بايدن 45٪. وبعد ذلك اتجه معدل تأييد بايدن بشكل عام في اتجاه واحد فقط٬ للأسفل. وظل الحال كذلك حتى أدائه السيء في مناظرة 27 يونيو/حزيران أمام ترامب.
وعلى الرغم من انخفاض شعبية بايدن في السنوات الثلاث والنصف التي سبقت السابع والعشرين من يونيو/حزيران، فإن شعبية هاريس كانت أسوأ باستمرار، مما يجعلها واحدة من أقل نواب الرئيس شعبية في تاريخ الولايات المتحدة. وعلى مدار العام الماضي وحده، انخفضت نسبة شعبيتها من متوسط بلغ حوالي 41% في يوليو/تموز 2023 إلى حوالي 38% في يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2024.
مع ذلك، أشارت استطلاعات الرأي التي صدرت في يوليو/تموز 2024، لأول مرة، إلى أنها تفوقت على بايدن (الذي بلغت شعبيته الآن 38%) في معدلات التأييد. والأمر الأكثر أهمية بالنسبة للديمقراطيين هو أن استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة الرئيسية أشارت أيضاً إلى أن هاريس٬ من المرجح أن تحقق أداءًا أفضل بكثير في صدارة قائمة الديمقراطيين مقارنة ببايدن ضد ترامب. بعبارة أخرى، تعد هاريس الوريثة الواضحة لبايدن ليس لأنها بدأت تبدو أفضل ويحبها الأمريكيون كثيراً، ولكن لأن بايدن استمر في الظهور بشكل أسوأ.
الطريق الصعب.. هل تصبح كمالا هاريس أول امرأة تحكم أمريكا؟
تقول صحيفة “nytimes” الأمريكية إن لدى هاريس فرصة للفوز على ترامب برغم العديد من العقبات أمامها٬ وبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، تتخلف هاريس عن ترامب بنقطتين مئويتين في المتوسط على المستوى الوطني، بنسبة 46% مقابل 48%. وهذا يمثل تحسناً بالمقارنة مع بايدن الذي يتخلف عن ترامب بثلاث نقاط مئوية في متوسط استطلاعات الرأي، 47٪ لترامب مقابل 44٪ لبايدن.
لكن على العديد من الأصعدة٬ لا يزال الطريق أمام هاريس غير ممهد والوقت أمامها ضيق. ففي حين يُنظَر إلى منصب نائب الرئيس في كثير من الأحيان باعتباره حجر الأساس في الوصول إلى الرئاسة، فإن بايدن وجورج بوش الأب وريتشارد نيكسون هم نواب الرئيس السابقون الوحيدون الذين نجحوا في الفوز بالمنصب خلال الانتخابات منذ ما يقرب من قرن ونصف. وقد سعى ما مجموعه 17 نائب رئيس أمريكي إلى تولي المنصب، لكن خمسة منهم فقط نجحوا بذلك.
وسوف تعلن هاريس قريباً عن مرشحها لمنصب نائب الرئيس في حملتها٬ ومن المتوقع على نطاق واسع أن يكون رجلاً معتدلاً يُستخدم لطمأنة الناخبين الذين يخشون أنها “أكثر تقدمية” من بايدن.
لكن تقول مجلة Economist إن هاريس ليست صاحبة رؤية أو أيديولوجيا أو كاريزما كغيرها ممن سبقوها في منصب نائب الرئيس. حيث إن الحياة في ولاية كاليفورنيا والعمل فيها شكّل شخصية هاريس: ملتوية، ومرنة، وتركز دوماً في الحديث على المستقبل.
فعندما تحرك حزبها إلى اليسار غيرت مواقفها بشأن قضايا مثل عقوبة الإعدام، والتي أيدتها في البداية ثم عارضتها. ورفضها منتقدوها ووصفوها بأنها انتهازية تتمتع بطموح طويل وتفتقر إلى القناعات، وهي سمعة وجدت صعوبة في التخلص منها حتى الآن.
في الوقت نفسه٬ تواجه هاريس صعوبات كمتحدثة ارتجالية، وهي إحدى الكفاءات الأساسية المطلوبة في الحياة السياسية خصيصاً في هذه المناصب الحساسة٬ مما يجعلها ضعيفة في المناظرات أمام ترامب.
فيما يتعلق بالسياسة الداخلية، ستمتلك هاريس سجل إدارة بايدن الذي لا يحظى بشعبية، على الرغم من التشريع الرئيسي الذي أقرته لتصنيع الرقائق محلياً٬ والاستثمار في الطاقة الخضراء. ويهاجمها حلفاء ترامب بالفعل باعتبارها “قيصر الغزو” للدور الرسمي الذي لعبته في العمل على قضية الحدود الجنوبية وعدم إيجاد حل للهجرة غير النظامية. لذا ستحتاج إلى الرد على هجمات ترامب العنيفة عليها بشأن الهجرة٬ ووضع أجندة سياسية داخلية جديدة وأكثر طموحاً للسنوات الأربع المقبلة٬ أكثر إقناعاً مما قدمه بايدن.
أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وضعت هاريس نفسها كـ”وسطية ديمقراطية” في القضايا التي تخص الناتو وأوروبا٬ وهي مؤيدة صريحة للمساعدات القوية لأوكرانيا. ويبدو أنها ستتبع على الأرجح خطوط إدارة بايدن في السياسة الخارجية، على الأقل خلال الحملة الانتخابية.
وفي مواجهة ترامب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس جي دي فانس، فإنها ستقدم تناقضاً واضحاً٬ حيث إن الأزمات العسكرية أو أزمات السياسة الخارجية غير المتوقعة تظل هاريس غير مختبرة فيها إلى حد كبير.
في النهاية٬ لكي تفوز هاريس، سيتعين عليها توحيد حزبها في ظروف صعبة، وإثارة اهتمام الناخبين، والتصدي لضربات ترامب، واكتشاف المواهب اللازمة للقيام بحملات انتخابية تحت ضغط الوقت.
عربي بوست