كتب غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
ما الذي كان منتظراً أن يحمله الموفد الفرنسي جان ايف لودريان كي يقال إنّه لم يحمل جديداً. أنهى زيارته الماضية عقب لقائه السفير السعودي وليد البخاري عندما قال للنواب السنة يجب البحث في اسم ثالث، وعاد ليبحث مجدداً في الاسم الثالث كخيار يؤمّن الخروج من الجمود الرئاسي، ويضيف تبنّيه التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون ستة أشهر اضافية باعتبار أنّ استمرار وجوده في هذا الظرف هو مدعاة اطمئنان أميركي- فرنسي- سعودي مشترك.
تبيّن من زيارتيْ لودريان الأخيرتين أنّه لا يمكنه أن يتبنّى خيار سليمان فرنجية المختلف عليه، ولا أن يختلف مع «الثنائي الشيعي» ويوقف الحوار معهما. العلاقة بين فرنسا والثنائي لم تعد كسابق عهدها، طرأت متغيّرات حوّلت مسارها، إذ لا بد من أنّ «حزب الله» يأخذ مواقف فرنسا من الحرب الاسرائيلية على غزة في الاعتبار، كما خروجها من خيار فرنجية لصالح مرشح ثالث غير مستعد لتبنّي فكرته، ويتمسك بخيار ترشيح حليفه بعد الحرب على غزة أكثر مما قبلها. التوافق الذي حضر لودريان باحثاً عنه لم يجد استعداداً لتقبله لا لدى الموالاة ولا المعارضة وكل من الفريقين لا يزال على موقفه.
خلافه مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ظهر امتعاضه إلى العلن، فباسيل لم يقل ما يمكن اعتباره خروجاً عن القانون من وجهة فرنسا التي تطالب بالاصلاحات في لبنان، لكن لودريان مارس في ميرنا الشالوحي دور المنتدب الفرنسي حيث طلب التمديد وبرّر موجباته متغاضياً عن السياق المخالف للقانون، وشدّد على ضرورة انتخاب رئيس وتخوّف من تفلت الأوضاع في الجنوب. منهكاً كان ومربكاً، لذلك شدّد على أنّه يمثل اللجنة الخماسية وليس بلاده فحسب، أي أنّه يتكلم باسم السعودية وأميركا وقطر ومصر وهي جميعاً تتقاطع على مسألتي التمديد لجوزاف عون والخيار الثالث رئاسياً، لكنه رغم ذلك لم يكن النجاح حليفه.
فالسعودية لا تزال على موقفها الرافض الانخراط مباشرة في الرئاسة اللبنانية. لا تفرض أي مرشح، لكنها تنفتح على مرشح رئاسي كقائد الجيش جوزاف عون، ولو كانت تفضّل وصول آخر أكثر اطلاعاً على الواقع الاقتصادي وأكثر الماماً بمفاتيح الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة، الاسم ذاته تسعى قطر إلى تعزيز حظوظه وطرحه، وما ترشيحها المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، الّا مجرد زيادة أسماء لعلمها أنّ طرح اسمه لن يحظى بتوافق الطرفين.
اذاً لودريان المدرك أنّ مجيئَه ممثلاً بلاده فقط سيعقّد مهمته، لذلك أضاف اليها معطى جديداً كي يمنح زيارته زخماً، وقال إنّ مباحثاته ستكون موضع تشاور مع ممثلي الدول الخمس، وإنّه سيطرح عليهم تصوره لما سمع.
وكما في الزيارة الأولى كذلك أمس، لمس عدم وجود تقدمٍ في الموضوع الرئاسي، بل إنّ الأوضاع زادت تعقيداً لتصلّب «حزب الله» في موقفه، وأنّه لا اتفاق مسيحياً على أي مرشح، وقد تجنّب رئيس مجلس النواب نبيه بري منحه وعداً بالدعوة إلى جلسة انتخاب بلا توافق، ولكنه أبدى استعداده للدعوة إلى عقد جلسة تشريعية قد تؤمّن التمديد لقائد الجيش جوزاف عون. مصادر موثوق فيها بدأت تتحدث عن تباين في الموقف حيال التمديد الذي يتحمّس له رئيس المجلس على خلاف «حزب الله «الذي لم يحسم موقفه بعد.
لكن مصادره القريبة لا تنفي، رغم الخلاف، أنّ التمديد هو الخيار المتقدم على غيره من الخيارات لاعتبارين: أولاً، لعدم امكانية التوافق على اسم البديل، وثانياً، لأنّ التمديد سيكون بمثابة جائزة ترضية للقائد بدل الرئاسة من ناحية «حزب الله»، وكان واضحاً في ما أبلغه للموفد الفرنسي أنّه إذا نجح التعيين فليكن، وإذا كان التمديد فبالتوافق والرضى، لكن أياً من الخيارين لم يحسم بعد.
الفرق بين زيارتيْ لودريان السابقة والأخيرة أنهما لم تحملا جديداً، ولم تحققا خرقاً لا في الرئاسة ولا في التمديد، وحتى في موضوع تطبيق القرار 1701، فواقعه مرهون بمصير الحرب على غزة، وقد تجدّدت المواجهات بين اسرائيل و»حزب الله» قبل أن يغادر لودريان بيروت عائداً إلى بلاده. تطور الوضع في غزة والجنوب ربطاً يجعل مباحثات الضيف الفرنسي في مسار، والتطورات وما يُبنى عليها في مسار آخر ومختلف.
بين زيارتيه الأولى والأخيرة، لا تغيير يُبنى عليه سوى أنّ الموفد الفرنسي كان سبق وغادر عقب زيارته الأولى على أمل الاتفاق الداخلي على رئيس، وعاد ولم يجد أملاً في الاتفاق، وما قاله في ميرنا الشالوحي يسري على انطباعه على كل محطات لقاءاته، وقد اختصره بالقول بصوت عالٍ وهو يهم بالمغادرة je suis en colère.