كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يتوقف استئناف مشاورات تأليف الحكومة على تلقي الرئيس المكلف نجيب ميقاتي إشارة من رئيس الجمهورية ميشال عون يحدد فيها موعد استئنافها في الساعات المقبلة، على أن تخصص هذه المرة للنظر في الأجوبة التي يحملها عون رداً على المقاربة التي تقدم بها ميقاتي وتتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية على الطوائف تمهيداً للتوافق على إسقاط أسماء الوزراء عليها من دون إدخال أي تعديل على الحقائب السيادية التي ستبقى خاضعة حتى إشعار آخر للتوزيعة الطائفية المعتمدة في تشكيل الحكومات السابقة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية مواكبة لما آلت إليه مشاورات التأليف حتى الساعة، بأن لكل من عون وميقاتي مقاربته الخاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، فالأول يتطلع إليها من خلال الخدمات الانتخابية التي تؤمنها التشكيلة الوزارية لوريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وإلا فلا جدوى سياسية منها، بخلاف الثاني الذي يطمح من خلالها لاستعادة ثقة اللبنانيين لأنها الممر الإجباري للدخول في مصالحة مع المجتمع الدولي الذي يشترط منها الاستجابة لتطلعاتهم من جهة ولمطالبهم التي انتفضوا من أجل تحقيقها من جهة أخرى.
وكشفت المصادر المواكبة أن عون يشترط، خلال مشاورات التأليف وإن كانت لم تتطرق حتى الساعة إلى أسماء الوزراء، بأن يكون له كلمة الفصل في الملف الاقتصادي، وتحديداً في القرارات المالية لوقف الانهيار، وهذا ما يدفعه إلى رفع البطاقة الحمراء في وجه مدير العمليات في مصرف لبنان يوسف الخليل، رافضاً تعيينه وزيراً للمالية بذريعة أنه سيكون وزير الظل لحاكم البنك المركزي (رياض سلامة)، فيما يصر على إنهاء خدماته بصرف النظر عما سيؤول إليه التدقيق الجنائي في حساباته التي يجب أن تشمل من وجهة نظر ميقاتي جميع وزارات وإدارات ومؤسسات الدولة اللبنانية بلا استثناء شرط أن يصار للاستعانة بشركات دولية صاحبة اختصاص في هذا المجال.
ولفتت إلى أن عون يتوخى من تشكيل الحكومة السيطرة على الوزارات الخدماتية لإعادة تعويم باسيل سياسياً على أن تشكل الانتخابات النيابية المقررة في ربيع 2022 الممر الإلزامي لتعويمه، وهذا الطرح يلقى معارضة لا تقتصر على ميقاتي فحسب وإنما تتجاوزه إلى القوى السياسية المعنية بتشكيل الحكومة، وصولاً إلى المجتمع الدولي الذي سيتعامل مع هكذا حكومة تأتي على قياس طموحات باسيل بأنها ساقطة حكماً لافتقادها القدرة على إرضائه كشرط لمساعدة لبنان لتمكينه من وقف الانهيار غير المسبوق الذي يحاصره.
وأكدت أن عون يريد السيطرة على وزارة الشؤون الاجتماعية لاعتقاده أنها ستتلقى المساعدات الدولية لتلبية احتياجات العائلات الأشد فقراً مع ارتفاع منسوب أعدادها ليبلغ أكثر من نصف عدد سكان لبنان، وبالتالي سيحولها إلى مكتب انتخابي يضعه في خدمة باسيل لاسترداد نفوذه في الشارع المسيحي.
وقالت إن ميقاتي لا يجاري عون في طلبه، فيما يتردد بأن هذه الحقيبة ستكون من حصة وزير درزي يسميه رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.
ورأت المصادر نفسها أن عون وإن كان ينفي كل ما يقال حول إصراره على أن يكون الثلث الضامن – المعطل – من حصته، فإنه في المقابل لا يتصرف حسابياً إلا من زاوية رغبته في السيطرة على هذا الثلث، وإلا فإن باسيل ليس في وارد الإفراج عن تشكيل الحكومة. وقالت إن عون لم يستقر حتى الساعة على مطالب محددة يريدها من الحكومة العتيدة.
وعزت السبب إلى أن عون يريد مراعاة باسيل إلى أقصى الحدود ولن يتفرد في اتخاذ موقف من دون العودة إلى التشاور معه، وكشفت بأن عون يلتقيه والفريق السياسي المحسوب عليه ومن أبرزهم المستشار الرئاسي الوزير السابق سليم جريصاتي فور انتهاء كل جولة من مشاورات التأليف، وذلك في إطار التنسيق للاتفاق على وحدة المعايير والمواصفات التي يحملها معه عون إلى ميقاتي في اجتماعهما اللاحق للتداول في التوزيع الطائفي للحقائب.
وكشفت أن باسيل سيلجأ إلى استخدام نفوذه لدى عون لتأخير تشكيل الحكومة ما لم تؤمن له التشكيلة الوزارية السيطرة ولو سلباً عليها تحسباً لمواجهة الاحتمالات الطارئة غير المحسوبة، وقالت بأنه يستعد منذ الآن لاتخاذ التدابير الوقائية في حال أن البلد دخل في مفاجأة ليست في الحسبان.
وأكدت المصادر نفسها أن عدداً من السفراء الأجانب المعتمدين لدى لبنان توصلوا في ضوء اللقاءات التي يعقدونها إلى قناعة غير قابلة للتعديل وتنطلق من أن باسيل يعطل كل المحاولات لإخراج ملف تشكيل الحكومة من التأزم في حال رأى بأنه يفتقد القدرة على التأثير في قراراتها.
وبكلام آخر فإن باسيل في الشارع المسيحي ليس بالحجم الذي يراهن عليه خصومه، وأن هذا التراجع يمكن أن يرتفع في حال أنه غطى حكومة لا تأثير له فيها، وبالتالي يفضل أن يبقى خارجها إذا لم يتمكن من تعطيل تشكيلها.
فباسيل – بحسب المصادر – يتطلع إلى مستقبله السياسي من زاوية ماذا سيكون عليه بعد إجراء الانتخابات النيابية وهو ماض الآن في خوض حروبه السياسية على عدة جبهات ظناً منه بأنه يستطيع تحسين شروطه لخوض معركته الوجودية كمرشح لرئاسة الجمهورية، فيما يحاذر رئيس المجلس النيابي نبيه بري التدخل في تشكيل الحكومة بعدما قرر سحب مبادرته التي أطلقها لإزالة العراقيل أمام تشكيل حكومة مهمة طبقاً لخريطة الطريق التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان والتي اصطدمت بعدم تجاوب عون بالإنابة عن باسيل وكان وراء اعتذار الرئيس سعد الحريري عن تشكيل الحكومة.
لذلك، فإن الكيمياء السياسية مفقودة بين بري وعون وعادت إلى نقطة الصفر، ليس بعد أن رفض الأخير مبادرته وإنما لمحاولته الإيقاع بين السنة والشيعة التي قوبلت بتطويق من بري وميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين، تماماً كما فعل لإبطال اللغم السياسي الذي يراد منه تطييف تشكيل الحكومة لإحداث انقسام طائفي لم يعد قابلاً للتسويق.
وبالنسبة إلى موقف «حزب الله» من تشكيل الحكومة، فإن الآراء منقسمة بين من يرى أن الحزب يتلطى وراء عون لتوفير الغطاء السياسي لترحيل تشكيلها إلى ما بعد جلاء المواقف على جبهة المفاوضات الجارية في فيينا والتي يفترض أن تستأنف بين واشنطن وطهران برعاية أوروبية حرصاً من الحزب على تدعيم وجهة نظر إيران حيال الملف النووي، وآخر يعتقد بأن الحزب يقف إلى جانب تشكيل الحكومة من دون أن يستنفر للضغط على عون وباسيل رغم أن تحالفهما على المستوى الاستراتيجي لا يحجب الأنظار عن الخلاف الدائر حول اليوميات السياسية.
ويوحي الفريق المؤيد لموقف «حزب الله» بتسهيل تشكيل الحكومة بأن الحزب لم يكن مضطراً لتسمية ميقاتي لتشكيلها لو أنه يعوق ولادتها فيما تترقب الأوساط السياسية رد فعل باريس في حال أنها أيقنت بأن عون وفريقه السياسي يعطلان تأليفها، خصوصاً أن ميقاتي المدعوم منها يتواصل يومياً مع الفريق الفرنسي المكلف بمواكبة الاتصالات لتذليل العقبات التي تعترض ولادتها.
وتبقى الإشارة إلى أن ميقاتي الذي يرفض أن تبقى مهلة التأليف مفتوحة، فإنه يحتفظ لنفسه بالمدى الزمني للخروج عن صمته في حال استمرت العوائق التي تؤخر تشكيلها وإن كان يراهن على تصاعد وتيرة الضغط الفرنسي بدعم أميركي لتفعيل مشاورات التأليف التي لا تزال تراوح مكانها، خصوصاً أن التفاؤل الحذر لا يصرف في مكان إلا إذا ارتفع منسوبه شرط استعداد عون لمراجعة حساباته والتعاطي مع الحكومة بالجملة كشرط لإنقاذ لبنان، بدلاً من المفرق لتعويم باسيل.