صراع رئاسي على مفاوضات ترسيم الحدود

كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:

بدأت عوامل الانقسام في الحكومة اللبنانية تظهر في أكثر من ملف أساسي، بعدما خَفُت وهج الأجواء الإيجابية التي رافقت تشكيلها، وتضاءل منسوب التفاؤل بـ «تسوية كبرى» محلية وخارجية ستنعكس سريعاً على مسارات التفاوض مع الجهات المانحة أو الصناديق الدولية للحصول على المساعدات، للبدء بمعالجة أسوأ أزمة اقتصادية عرفتها البلاد. وتتركز الانقسامات على التوجهات المتعارضة جذرياً بين كل من رئيسَي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، فيما يخص خطة الكهرباء، والبطاقة التمويلية، وآلية التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وتشكيل لجنة التفاوض مع الصندوق التي أصرّ عون على ضمّ مستشاريه إليها، وهو أمر كان يرفضه ميقاتي، لكنّه عاد وخضع له. هذه الخلافات ستكون لها انعكاسات أوسع في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل الاختلاف في التوجهات بين أعضاء لجنة التفاوض مع صندوق النقد، حول آلية وضع البرنامج التفاوضي وصيغة توحيد أرقام الخسائر أو تحديد من يتحمّل مسؤوليتها، ولن يكون ذلك مؤشرا إيجابيا بالنسبة إلى الموقف اللبناني. في الأثناء، تشير مصادر حكومية إلى وجود خلاف كبير في التوجهات بين عون وميقاتي حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وهو ملف استراتيجي حساس. ويريد ميقاتي العودة إلى خطة التفاوض التي أطلقها سابقاً خلال ترؤسه الحكومة عام 2011، والتي استند إلى خبراء تقنيين في الجيش اللبناني لوضعها.

في المقابل، يريد عون أن يكون هذا الملف من صلاحياته، وبالتالي يرفض خطة ميقاتي السابقة.

وفي ظل هذا التجاذب، من الواضح أن الوفد العسكري المفاوض برئاسة العميد بسام ياسين هو من يدفع الثمن. وكان الوفد العسكري المفاوض قد أبرز وثائق تشير إلى أن حق لبنان في المساحة البحرية يصل إلى حدود 2290 كلم مربع، وهو ما أبدى عون حماسة له في البداية، وأراد توقيع مرسوم يعدّل فيه المرسوم الذي أودعته حكومة ميقاتي سنة 2011 لدى الأمم المتحدة، وينص على أن مساحة لبنان هي 860 كلم مربع. لكنّ عون تراجع بعد رفض أميركي وتلويح بأن تلك الخطوة ستؤدي إلى مزيد من الضغوط على لبنان، وستعرقل مسار التفاوض.

وفي الوقت الذي كان الوفد العسكري يصر على حماية حقوق لبنان بالبحر من خلال توقيع المرسوم الجديد، وهو ما يرفضه عون وميقاتي، برز تطور جديد وهو إحالة رئيس الوفد العميد بسام ياسين الى التقاعد، فيما كان قائد الجيش يريد التمديد له لاستكمال مهمته، مع تمسّكه برفض ترؤس الوفد من قبل شخصية مدنية.

لذلك دخل الرئيسان عون وميقاتي، كل من جهته الخاصة، في مفاوضات منفصلة مع الأميركيين حول ما يمكن التوصل إليه من حلول، وايضاً في مشاورات مع شركات نفط دولية للوصول إلى تسوية ترضي الجميع.

في المقابل، قررت الإدارة الأميركية تعيين السفير السابق آموس هوكشتاين، وهو من أصول إسرائيلية، رئيساً للوفد الأميركي الراعي للمفاوضات خلفاً للسفير السابق جون ديروشيه.

وكان هوكشتاين قد تولى المفاوضات بين لبنان وإسرائيل سابقاً، خلفاً للسفير فريدريك هوف، وكان اقتراحه بأنه لا داعي للاستمرار بالخلاف، إذ يمكن منح لبنان مساحة نسبتها 55 بالمئة من أصل 860 كلم، فيما تعتبر المساحة المتبقية متنازعا عليها، وبحال كان فيها كميات نفطية يمكن تأسيس صندوق سيادي وتوزيع عائدته إلى حين الاتفاق النهائي، لكن لبنان رفض قطعياً هذا الاقتراح. ويفترض أن يزور هوكشتاين لبنان في المرحلة المقبلة، للقاء المسؤولين والبحث في إمكانية تفعيل المفاوضات. بينما يفكر لبنان في إمكانية استشارة شركات دولية متخصصة في أعمال المساحة البحرية، لتحديد حدوده وحصته وحقوقه، ولكن طالما استمرت الخلافات بين القوى السياسية التي تتسابق لإنجاز الملف بنفسها قد يؤدي إلى إضاعة حقوق لبنان المهدورة منذ 10 سنوات، في حين باشرت إسرائيل أعمال التنقيب، وأصبحت على مشارف الاستخراج.

وقبل زيارة هوكشتاين، تزور مساعدة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، لبنان الاسبوع المقبل، وستبحث ملف ترسيم الحدود الى جانب ملفات أخرى.

شاهد أيضاً

هكذا يُفشل اللبنانيون محاولات “إسرائيل بالعربية” زرع الفتنة بينهم

سعت إسرائيل مؤخرا، عبر حملات منظمة، إلى إشعال نار الفتنة المذهبية في لبنان وخاصة بين …