قرّرت شرطة لندن إرسال مزيد من منسوبيها إلى شوارع العاصمة، وتكثيف دوريّاتها في مختلف الأحياء، كما اتصالاتها بالقائمين على المعابد اليهودية، والمساجد الإسلامية، «لطمأنة المجتمعات وحمايتها»، وفقاً لبيان صدر في ضوء عمليّة «طوفان الأقصى». وتوتّرت الأجواء على مستوى الشارع البريطاني، بين مؤيّدين للنضال الفلسطيني، وآخرين داعمين للكيان العبري، فيما نُظّمت احتجاجات واحتجاجات مضادّة في عدد من المواقع، وجرى التبليغ عن أعمال «إخلال بالنظام» تعاملت معها الشرطة. وفيما كان رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، حاسماً في إعلان تضامنه التامّ مع إسرائيل، مبدياً استعداد حكومته لتقديم الدعم الديبلوماسي والاستخباري والأمني لتل أبيب، مؤكداً أن المملكة المتحدة ستظلّ أبداً «واحدة من أهمّ حلفاء إسرائيل»، أُضيئت واجهة مقرّ الحكومة البريطانية في «10 داونينغ ستريت» بألوان العلم الإسرائيلي، في خطوة وصفها نشطاء سياسيون بـ«غير المتوازنة»، متّهمين الحكومة بالتورّط في دعم «نظام عنصري».
وفي باريس، حيث يدعم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، دولة الاحتلال، «بلا تحفُّظ»، تحدّث مقيمون عن خروج احتجاجات مؤيّدة لفلسطين نُظمت في العاصمة الفرنسية، وغيرها من المدن، وتحوّلت أحياناً إلى صدامات مع مناصرين لإسرائيل، وهو ما استدعى تدخُّل قوات مكافحة الشغب لقمعها. كذلك، تظاهر مؤيّدون لكيان الاحتلال في بروكسل، مطالبين الحكومة البلجيكية بقطع المساعدات المالية عن الفلسطينيين، في وقت عزّزت فيه غالبية حكومات الاتحاد الأوروبي الإجراءات الأمنية حول المواقع اليهودية الرئيسية، خشية تعرُّضها لهجمات، واتّخذت البعثات الديبلوماسية والممثّليات الإسرائيلية إجراءات احترازية إضافية. وتخشى النخب الحاكمة في القارّة القديمة من أن تصبح فلسطين مصدراً آخر للخلافات بين الأفرقاء الأوروبيين، بعد توسّع الصدع في ما بينهم حول الحرب في أوكرانيا، إذ لاحظ مراقبون أن خطوط الانقسام الأوروبي حول ما يحدث في فلسطين، بدت وكأنها تتّجه لتتعزّز، وهو ما من شأنه أن يدفع نحو مزيد من الاستقطاب. وممّا يجلّي الاستنتاج المتقدّم، انعكاس الخلافات سريعاً على مواقف الدول الأوروبية، بعدما أعلن مفوض العلاقات مع الدول المجاورة للاتحاد، أوليفر فارهيلي، عبر صفحته في موقع «إكس»، عن وقْف كلّي للمساعدات التنموية التي تتلقّاها جهات فلسطينية من المفوضية الأوروبية، والبالغة قيمتها نحو 691 مليون يورو (حوالى 729 مليون دولار). إذ تحفّظت حكومات أوروبية عدّة على مضمون الإعلان، وحذّر بعضها من إيقاع عقاب جماعي بالمدنيين الفلسطينيين، فيما شكّكت أخرى في السلطة التي يمتلكها المفوّض – المجري الجنسية -، والمفوضية – هيئة الاتحاد الأوروبي التنفيذية – لاتّخاذ مثل هذا القرار. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي يُعدّ أكبر مانح للمساعدات للفلسطينيين في الضفة وغزة، علماً أن غالبية الأموال تذهب إلى السلطة الفلسطينية.
أكدت بروكسل أن لا مدفوعات أُوقفت، نظراً إلى عدم وجود مستحقّات حالية
واضطرّت بروكسل، نتيجة هذه التجاذبات، إلى التراجع عن تصريح المفوّض بعد أقل من ست ساعات، وأصدرت بياناً أكدت فيه أنه لا مدفوعات أُوقفت، نظراً إلى عدم وجود مستحقّات حالية، وأن الاتحاد سيعقد اجتماعاً طارئاً على مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء لإجراء مراجعة عاجلة للمساعدات «لضمان عدم توجيه أيّ تمويل من الاتحاد الأوروبي نحو تمكين أيّ منظّمة إرهابية من تنفيذ هجمات ضدّ إسرائيل». وكان المفوّض فارهيلي قد تولّى منصبه بدفعٍ من رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الوثيق الصلة بنظيره الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
وفي هذا الوقت، سارعت كلّ من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ورئيسة البرلمان الأوروبي، روبيرتا ميتسولا، إلى إعلان تأييدهما المطلق لإسرائيل فور انطلاق «طوفان الأقصى»، حتى أن أعلام الدولة العبرية رُفعت على مختلف المباني التي تشْغلها المؤسّسات الأوروبية في بروكسل، في ما بدا وكأنه خطوة اتُّخذت من دون التشاور مع الدول الأعضاء. ودانت دول التكتُّل الـ27، السبت، الهجوم الفدائي الفلسطيني، في بيان تلاه الناطق باسم المفوضية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بيتر ستانو، وأكد فيه دعم «الاتحاد الثابت الذي لا يتزعزع لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأراضيها، وشعبها، بما يتماشى مع القانون الدولي».
لكن الصحف نقلت عن ديبلوماسيين في مقر الاتّحاد، قولهم إن إسبانيا والبرتغال ولوكسمبورغ وإيرلندا، عبّرت رسميّاً عن قلقها من إعلان فارهيلي، فيما اكتفت دول أخرى بإبلاغ المفوضيّة بتحفّظها شفهيّاً. ومن جهته، أعلن ناطق باسم وزارة الخارجية الإيرلندية أن دبلن ترى أنه «لا أساس قانونيّاً لقرار أحادي من هذا النوع اتّخذه المفوض بصفة فردية»، لافتاً إلى أن «جمهورية إيرلندا لا تؤيّد تعليق المساعدات للفلسطينيين»، فيما قالت إيطاليا، التي دانت الهجوم الفدائي الفلسطيني بشدّة، إن «تعليق مساعداتها للفلسطينيين غير وارد». كذلك، اتّصل وزير الخارجية الإسباني في حكومة تصريف الأعمال، خوسيه مانويل ألباريس، بالمفوض، ليسجّل اعتراض مدريد على قرار وقْف المساعدات. وقالت نائبة رئيس الوزراء الإسباني، يولندا دياز، في تغريدة، إن «قرار حجب الأموال (خيانة) للمبادئ الأساسية لأوروبا»، داعيةً المفوضية إلى العمل على «تعزيز السلام بدلاً من معاقبة الشعب الفلسطيني». أمّا وزير خارجية لوكسمبورغ، جان أسيلبورن، فأكد أيضاً أن حكومة بلاده «لا تؤيّد تعليق المساعدات للفلسطينيين»، وأن «هذه الأموال تذهب إلى الناس في غزّة، لا إلى حركة حماس».
في المقابل، أعلنت ألمانيا والنمسا، الإثنين، أنهما ستعلّقان مساعداتهما (التنموية) للفلسطينيين، على نحو كلّي، سواء تلك التي تصل إلى غزة، أو إلى رام الله. وقالت وزيرة التنمية الألمانية، سفينيا شولتسه، إنه لن تُدفَع أيّ أموال لمشاريع المساعدات المخصّصة للفلسطينيين، وذلك «كتعبير عن تضامن ألمانيا غير القابل للكسر مع إسرائيل». وكانت الوزارة قد التزمت بتسديد 250 مليون يورو لصناديق تنمية في الأراضي الفلسطينية لهذا العام، ولم يُعرف من الوزيرة حجم ما صُرف من تلك الميزانية لدى اتخاذ قرار وقف المساعدات. لكن ناطقاً باسم وزارة الخارجية الألمانية، أعلن أن وزارته ستواصل، من جهتها، صرْف ما تبقّى من ميزانية تبلغ 73 مليون يورو خصَّصتها للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين لهذا العام. وفي فيينا، أعلن وزير الخارجية النمساوي، ألكسندر شالينبرغ، أن بلاده ستعلّق مساعدات التنمية التي يبلغ مجموعها نحو 19 مليون يورو (20 مليون دولار)، خُصّصت لعدد من المشاريع مع جهات فلسطينية.
الاخبار